لماذا فتح الجراح وافتعال المعارك؟!
الروح المدنية الجامعة ظهرت بأجمل صورة في عزاء فقيد الفن والدراما الأردنية والعربية، المرحوم ياسر المصري، وظهرت أمس في عزاء فقيد الإعلام الأردني والعربي المرحوم سعد السيلاوي، وهي قبل ذلك ظهرت بأبهى صورة في الاحتجاجات المشهودة على الدوار الرابع وفي المحافظات.
في الأثناء، تأتي واقعة هامشية لتثير جدلا مؤذيا جدا حول أحداث أيلول السبعين واغتيال الشهيد وصفي التل والمسؤوليات عن تلك الأحداث، وهو شيء في غير وقته وغير حاجته وكله افتعال بافتعال لا يسهم قيد أنملة في تقديم الإجابات عن التحديات الجسام التي نواجهها هذه الأيام. أشير الى الحملة ضد إقامة حفل تأبين لذكرى القيادي الفلسطيني أبو علي مصطفى الذي استشهد بصاروخ إسرائيلي مباشر على مكتبه في رام الله أثناء انتفاضة الأقصى، وقد سمح المحافظ بإقامة التأبين في مقر الحزب، لكن نشطاء تابعوا الحملة لمنع الحفل الذي جرى بحماية أمنية منعت الصدام. لكن الأذى تحقق على وسائل التواصل بمداخلات غير موضوعية تنكأ الجراح وتثير الانقسام.
لست ممن يقارب الحساسيات المعروفة بالكلام الإنشائي المجامل ولا أستخدم الشعارات الفارغة من نوع "كلنا فلسطينيون من أجل فلسطين وكلنا أردنيون من أجل الأردن"، فهناك مشكلة تاريخية فرضت نفسها بفعل الاحتلال الصهيوني لفلسطين وتجاوزت بالنسبة للأردن مشكلة اللجوء الى إشكالية المواطنة والهوية بفعل المسار التاريخي للأحداث المتمثلة بالوحدة مع الضفة الغربية ثم الانفصال. ونشوء تضارب في المصالح تطور وتكيف بتلاوين مختلفة ترافقه الهواجس والشكوك والشكاوى والاتهامات، وهي ميدان خصب للاستثمار في كل الأجندات والمصالح والطموحات والتطلعات الفئوية والشخصية. وإذا كان هذا قدر البلد، فأي درجة من المسؤولية والاقتدار يجب أن تضطلع بها القيادات الوطنية النزيهة لإدارة الموقف وقيادة الدفة وسط الأنواء على خط صحيح وصولا الى بر السلامة.
إن الهوية مسألة معقدة للغاية ويندر أن تتشكل على قاعدة بسيطة ثابتة، وهي في مظاهرها المختلفة تنتعش في مراحل وتضمر في أخرى.. الهوية الوطنية والهوية القومية والهوية الدينية، وأنظر الى الانقسام السني الشيعي اليوم وأي مستوى مذهل من الحدّة والعدائية المتبادلة التي تضع الدول والمجتمعات في تطاحن وحالة رفض للآخر واستعداد لإبادته كمصدر تهديد وجودي. ويغطي على صدام المصالح الناشئ تضخم عقائدي للهويات والانتماءات يعمي عن اللاجدوى من التناحر.
جدل الهوية عقيم ولن يكون فيه منتصر، لكن تشخيص المصالح والمخاطر والمواقف صحيح وضروري. إن خطر الوطن البديل حقيقي وقائم بقدر ما يتم نقض الحق الفلسطيني في الدولة المستقلة على أرض فلسطين، وهو مشروع اليمين الإسرائيلي المتطرف المدعوم الآن من الرئيس الأميركي ترامب ومساعديه المتحمسين للتطرف الصهيوني بلا شرط ولا قيد، وآخر ما حرر في هذه السياسة بعد نقل السفارة الى القدس هو قطع تمويل الأونروا تمهيدا لتصفيتها وتصفية قضية اللاجئين، وهناك أساس صلب اليوم لوحدة الموقف الأردني الفلسطيني الرسمي والشعبي في مواجهة هذا المخطط. وإذا كان رفض التجنيس ودعم وجود الفلسطينيين في أرضهم هو جزء أصيل من هذا الموقف، فإن وحدة الجبهة الداخلية للمواطنية من شتى الأصول على أساس الثوابت الوطنية والمواطنة النشطة هو جزء مكمل لعناصر المواجهة وإفشال المشروع الصهيوني. وما نراه أن المشاركة المدنية الفاعلة على أساس وحدة المصالح والمصير تتقدم وتظهر في كل حدث نرى التفاعل معه بالزخم نفسه يلم الجميع على قدم المساواة.
الغد - الاثنين /3/8/2018