دقّت ساعة الحقيقة!
يفتتح د. جمال الشلبي كتابه "الأردن: ثوّار بلا ثورة" (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2018) بسؤال محوري ومهم، وربما طُرح كثيراً، على الصعيدين الإعلامي والسياسي، خلال الفترة الماضية، ويتمثل في: لماذا لم تتعرّض الدولة الأردنية للمصير نفسه، الذي عرفته دول الجوار (سورية والعراق) أو دول الإقليم العربي من فوضى، وتدمير، وقتل، وإرهاب، وحروب طائفية؟
إلاّ أنّ الشلبي، وهو أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية، يُدخلنا في سياق إجابته عن هذا السؤال في جدلية أخرى، على درجة عالية من الأهمية والعمق، وتتمثل في أزمة المركز والأطراف (في الأردن)، تحت عنوان جدلي وهو "دقّت ساعة الحقيقة"!
يجادل الشلبي في هذا الفصل (جدلية المركز والأطراف) بأنّ الدولة تأسست في صيغة علاقة خاصة تربط العشائر الأردنية بالحكم، ما يسميه جدلية الدولة والقبيلة، وتأسست مدن أردنية (بخاصة عمّان) بصورة فسيفسائية، لا تقوم فقط على المهجّرين والمهاجرين من الخارج (بخاصة فلسطين، العراق، سورية، وحتى الشيشان والشركس والدروز وغيرهم) بل من الأرياف أيضاً، الذين انتقلوا من الريف إلى المدينة، وأصبحوا يمثّلون ضواحي معينة فيها، ويشكّلون جزءاً من فسيفسائيتها المتعددة والمتنوعة.
وبالرغم من هذه التعددية، إلاّ أنّ المؤلف يرى بأنّ الدولة لم تعمل على إذابة الجميع في نسيج مجتمعي متكامل ومتناغم، بل حافظت المكونات الاجتماعية على خصائصها الاجتماعية والثقافية، وفشلت في الاندماج بالمدينة، فأصبحت عمّان، وهي المدينة الكبرى بمثابة "مستودع بشري غير منظم"، وخلقت هذه السياسات "تجمعات ريفية بدوية" في المدن، منفصلة عن جذورها الاجتماعية.
يرى المؤلف بأنّ الدولة اتخذت سياسات ذات طابع مزدوج، فهي من ناحية تحدثت عن إقامة دولة المؤسسات، وتعزيز الحياة المدنية، ومن جهةٍ أخرى تسير نحو علاقة زبائنية مع العشائر، التي شكّلت على الدوام مصدر الاستقرار السياسي، ما أدّى إلى "قبلنة المركز"، على حدّ تعبير المؤلف.
لكن ما هي ساعة الحقيقة التي دقت؟ تتمثّل في أنّ أغلب الحراكات والانتفاضات والاحتجاجات في العقود الأخيرة (1989-2011) تحوّلت إلى الأطراف بدلاً من المركز، ومن قبل القوى العشائرية، وتأسست بصورة رئيسة على "مظلومية" اقتصادية واجتماعية، نتيجة الشعور بالتهميش والتجاهل والتحوّل في مفهوم الدولة نفسه من "الريعية" إلى "الضريبية".
ويخلص الشلبي إلى القول "رغم محاولات الإصلاح المتكررة بين النظام والقبيلة خصوصاً والأطراف عموماً، إلاّ أنّ الواقع يقول إنّ العلاقة بين المركز والأطراف قد دخلت في مرحلة جديدة ومختلفة تماماً عمّا كانت عليه سابقاً".
وبالرغم من أنّ الكتاب يتوافر على فصول أخرى عديدة عن التحديات الفكرية والأيديولوجية للدولة، والانتخابات النيابية 2013، والحراك الشعبي الذي وقع، إلاّ أنّ الفصل الأول، الذي يتضمن جدلية المركز والأطراف والتحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، هو الأكثر أهمية، وجاء مختصراً، وفي الوقت نفسه مختزلاً لكثير من النقاشات والجدليات، ويستحق حواراً معمّقاً أكبر، سواء لإعادة دراسة جدلية العلاقة بين المركز والأطراف، أو حتى علاقة الدولة بالمكونات المختلفة.
هذه الإشكالية في علاقة المركز والأطراف أخذت أبعاداً سياسية واقتصادية ومجتمعية وثقافية، وتحتاج بالفعل إلى دراسات معمّقة تأخذ أكثر من بعد، ومن رواية ومن زاوية، لأنّها -كما وصل المؤلف- خلقت المعادلة التي حكمت الدولة خلال العقود الماضية، وتبددت اقتصادياً، لكنّها سياسياً ما تزال قائمة، ما خلق تناقضاً آخر مرتبطاً بتلك الجدلية بين مراكز القوى السياسية والاقتصادية والبيروقراطية.
الغد - الجمعة 7/8/2018