الضلال النووي
تسللت فكرة الاعتماد على الطاقة النووية كبديل مع الادعاء بوجود خامات اليورانيوم بكميات ضخمة في الأردن. وكان د.خالد طوقان قد زفّ البشرى للأردنيين وأعلن منذ العام 2008-2009 عن مستويات تركيز واحتياطات من الخام تدير الرأس. والاستنتاج التالي هو أن نستخدم وقود اليورانيوم في مفاعل نووي ضخم يغطي حاجة الأردن من الكهرباء وننفق على المشروع من بيع فائض اليورانيوم الخام للدول الأخرى. من يستطيع أن يقول لا لهذا المشروع؟! فقط بضعة "مهووسين" من أنصار البيئة المعادين مبدئيا للطاقة النووية صارعوا عبثا لوقف المشروع.
كان طوقان قد ترك وزارة التربية ليترأس هيئة الطاقة الذرية التي بدا وكأنها أنشئت على مقاسه وخصيصا له وهو بعد سنوات في التربية نفض الغبار عن تخصصه الأصلي "الفيزياء النووية" وأصبح هذا الملف "البيبي" الخاص به، وذروة سنامه التحول لإنتاج الطاقة النووية، لكن كيف يمكن تسويق هذه الفكرة المخيفة لاقتصاد صغير وبلد فقير كالأردن؟ المدخل طبعا هو اكتشاف أننا نعوم على بحر من اليورانيوم!
بدأ الإنفاق على دراسات وأعمال تنقيب واستدراج عروض دولية، ثم تم إنشاء شركة مشتركة مع اريفا الفرنسية المختصة، ووعد طوقان أن يبدأ إنتاج الكعكة الصفراء العام 2011 وبقيمة تقدر بمليار دينار سنويا.
بالموازاة كان مشروع المحطة النووية قد اتخذ ورصدت له الأموال وتنقل المكان المقترح وسط جدل محتدم ومعارضة مجتمعية، كما تنقل المشروع بين شركاء محتملين ليستقر عند الروس لبناء مفاعلين بكلفة 10 مليارات تدفع مناصفة. ثم ظهرت إشكالات لا نعلم حقيقتها ليعلن في النهاية الاستغناء عن مشروع المفاعلين الكبيرين واستبدالهما بفكرة مفاعلات صغيرة عدة. أما استخراج اليورانيوم فقد تدحرج مع الوعود المتجددة وها نحن في العام 2018 ولم ينتج شيء بعد.
في المجلس السادس عشر، احتدم الجدل حول المشروع ومال النواب لرفضه، وبذل طوقان جهودا مضنية لاستمالتهم، بما في ذلك أخذ عدد منهم في رحلات استطلاعية في الغرب، وبالإجمال نجح في تحجيم المعارضة، وكذلك الحال في المجلس السابع عشر رغم ضراوة الاحتجاجات المدججة بالمعطيات. ومع أنني مبدئيا من أنصار البيئة والطاقة البديلة وأكره الطاقة النووية، فقد قررت ضميريا أن لا آخذ موقفا مسبقا ضد المشروع، فربما فيه مصلحة الأردن وإنقاذ الاقتصاد الأردني وحل أزمة الطاقة.
كان وجود خامات اليورانيوم بالنسبة لي مبرر مشروع. وعليه فقد تحوطت باقتراح استراتيجية بديلة هي أن نبدأ أولا باستثمار اليورانيوم حتى إذا تأكدت جدواه نذهب لاحقا الى مشروع المفاعل. لكن ردّ طوقان كان بأن مشروع الطاقة النووية مطلوب بذاته بغض النظر عن وجود اليورانيوم الذي يمكن أن نشتريه من الخارج إن لم يتوفر عندنا؟!. هذا الردّ كان كافيا ليثبت لي أن الرجل يريد الطاقة النووية والمفاعل كهدف ورغبة خاصّة بأي ثمن حتى لو كان إشاعة الأوهام. ثم بالفعل جاءت المفاجأة بأن الشركة الفرنسية أعلنت انسحابها من المشروع لانعدام الجدوى الاقتصادية في ضوء مستويات التركيز الضعيفة لليورانيوم!! لكن طوقان نفى وشكك بدوافع الفرنسيين ومضى قدما وتأسست شركة أردنية لإنشاء المفاعل بالشراكة مع الروس، وهي الشركة التي أعلن قبل أيام عن حلها بعد أن تعثر مشروع المفاعلين الكبيرين وربما مشروع المفاعلات الصغيرة. وحسب اعتقادي أن المشروع كله قيد الأفول.
لا يجوز أن تكتفي الحكومة بحل الشركة، يجب أن تنشأ لجنة تدقيق ومحاسبة على مسيرة خاطئة (وربما عملية تظليل) دامت لعقد ونيف من السنوات.
الغد - الاثنين 10/9/018