الزكاة وضريبة الدخل
تابعتُ أمس ما تيسّر من اللقاءات التي جرت بين الوزراء وأبناء محافظتي، البلقاء والكرك، كبداية لجولات متتالية للفريق الوزاري إلى باقي المحافظات خلال الأسبوع القادم، لعرض مسودة مشروع قانون ضريبة الدخل، والنقاش حولها، وأخذ الملاحظات والتغذية الراجعة من المواطنين عليها، وصولاً إلى تعديلها بالصيغة النهائية.
استمعتُ إلى ما قاله نائب رئيس الوزراء رجائي المعشّر عن عملية المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وعن قيم الإصلاح الضريبي والهيكلية الجديدة التي تسعى إليها الحكومة، من خلال الانتقال التدريجي من المبيعات إلى الدخل، وتطوير وسائل مكافحة التهرب الضريبي.
وأنصتُّ باهتمام لما تحدث به فضيلة د. عبد الناصر أبو البصل، وزير الأوقاف عن جزئية الربط بين مفهوم الزكاة والقانون الجديد، وكيف أن ما يدفعه المواطنون للزكاة يخصم مباشرة وبصورة كاملة من ضريبة الدخل، ما يمكننا من استدخال هذا المفهوم في دائرة المفاهيم الإسلامية وتضمينه معاني التكافل الاجتماعي، بالإضافة إلى قيمة المواطنة نفسها.
وقد شرح الوزير والفقيه أبو البصل المضامين الرئيسة لهذا التطور المهم، وأظن أننا ما نزال بحاجة إلى مزيد من التفصيلات، وتحدث عن اختيار مجلس أمناء للصندوق، وآليات واضحة وشفافة في تحويل هذه الأموال للطبقات الفقيرة والمحتاجة، ما يسهم أيضا في توسيع مفهوم الزكاة إلى آفاق متعددة، مثل التعليم والصحة وغيرها.
بعيدا عن مضمون المسودة نفسها، فإنّ فكرة الزيارات الميدانية للوزراء والحوار مع الشارع، والاشتباك الإيجابي مع المواطنين، والاستماع إلى رواية الناس وهمومهم مباشرةً وللانطباعات السائدة، وإتاحة الفرصة من قبل المواطنين أيضا للحديث مع الحكومة، وتجسير المسافات الفاصلة بين الطرفين، هي فكرة مهمة وضرورية بحد ذاتها.
هيمنت على المسؤولين في الأعوام الماضية أفكار خاطئة تتعامل مع العلاقة مع الشارع وكأنّها حالة ميئوس منها، لا يمكن إصلاحها، أو أنّها أمر ثانوي طالما المسؤول يؤدي دوره الإداري، أو أنّها جزء من مفهوم الشعبوية الذي أصبح شمّاعة تعلّق عليها أخطاء الحكومات في اتخاذ القرارات، بينما في الحقيقة كانت الحكومات تخسر المعركة الحقيقية للمصداقية والشفافية والاتصال بالناس، وحماية الدولة من شرخ الثقة الخطير الذي نما وتجذّر في الأعوام الماضية.
من المفاهيم التي أتت بها الحكومة الحالية ولمسنا فيها الفرق مفهوم العمل الميداني، والوزير الذي لا يعتكف في مكتبه، وينفصل عن المواطنين، ويعتقد أنّ مهمته تنتهي عند إدائه دوره الإداري أو الفني أو التكنوقراطي، لذلك كان هنالك برنامج لمشاركة فريق من الوزراء في الاتصال بالمواطنين والتحدّث معهم، كتكريس لدور الوزير السياسي والإعلامي، وليس فقط التكنوقراطي، وللتأكيد على تضامن الحكومة وفق أحكام الدستور.
بالطبع لن يكون الوزراء في المنزلة نفسها من القدرة على الإقناع والنقاش، وستتباين الزوايا التي يتطرقون لها، وسيسمعون في أحيان كلاماً قاسياً، وهو أمر طبيعي من شعب يمر بمرحلة من الإحباط وبدرجة من الاحتقان، لكن البدء بهذه الخطوة سياسة مهمة وإيجابية وضرورية، لأنّ الخروج من مرحلة العزلة المتبادلة بين الطرفين (وأعني الحكومة والشارع) وبناء قنوات الاتصال والحوار بمثابة شرط رئيس لمواجهة أخطر تحدّ نمر به اليوم، أكبر من الأزمتين المالية والاقتصادية، وهو تحدي الجبهة الداخلية وموضوع الثقة بالدولة ومؤسساتها.
المطلوب أن تكون الرسالة باتجاهين؛ الأول من الحكومة نحو الشعب، والثانية بالاتجاه المعاكس، وهنالك لقاءات أخرى عديدة سيجريها رئيس الوزراء في الأيام القادمة مع ممثلين عن شباب ومؤسسات متعددة.
الغد - الجمعة 14/9/2018