الموقف المجتمعي من مشروع قانون الضريبة
احسنت الحكومة بفتح حوار مجتمعي مع القواعد الشعبية حول مشروع قانون الضريبة في نسخته الجديدة، وعلى الحكومة أن تكون مسؤولة بنفس الدرجة وأن تأخذ على محمل الجد نتائج هذا الحوار وأن يتسع صدرها لردود الأفعال التي بدت قاسية في حوارات الطفيلة وإربد أمس، فقيمة الحوار وهدفه الحقيقي أن يكشف مدى الرضا الشعبي، وأن لا يكتفى بالحوارات النخبوية وأصحاب المصالح الاقتصادية؛ أولئك المتاح أمامهم العديد من المنابر والفرص لإيصال اصواتهم ووجهات نظرهم بل والضغط بوسائل متعددة حماية لمصالحهم.
قانون الضريبة في الصيغة المطروحة وفي الصيغة المسحوبة بات يعد قانونا اجتماعيا واقتصاديا وليس مجرد قانون اقتصادي، وإذا كانت فلسفة الضريبة في كل المجتمعات أنها أداة لتحقيق العدالة وتعكس فكرة اليد الخفية في إعادة توزيع الدخل والثروات فإن أكثر ما يحتاجه صناع القرار في هذه المرحلة إضفاء شرعية مجتمعية فعلية على هذا التشريع تتجاوز الأطر التمثيلية التقليدية التي تجاوزتها القواعد الاجتماعية.
ما تزال أمام الحكومة فرصة لإضفاء شرعية مجتمعية على تعديلات جوهرية على قانون الضريبة، صحيح هناك ضغوط كبيرة ومعقدة على الحكومة جلها إرث تاريخي من السياسات الرسمية لأجيال من الحكومات، ولكن في إطار المتاح فإن الفرصة تكمن في تعديلات عادلة بالفعل تؤكد مبدأ تصاعدية الضريبة، وتتخلص من بعض التشوهات التي ما تزال حاضرة في مشروع القانون الحالي ومنها ما يتعلق بالضريبة المقترحة على قطاع البنوك التي استفزت الناس لقطاع كبير عملت السياسات الرسمية في الحد من تنمية دوره في خدمة الاقتصاد الوطني، كما هو الحال في إعادة النظر في الإعفاءات الضريبية التي تم شطبها، فتلك الإعفاءات شكلت في السابق نوعا من الحماية الاجتماعية وإن كانت محدودة لشرائح واسعة من المجتمع.
لا بد من إصلاحات ضريبية ولا يمكن بأي حال أن نعود إلى التشوهات السابقة في النظام الضريبي، والقانون الحالي يشتمل على بعض الإصلاحات المطلوبة، فعلاوة على ضرورة استكمال هذه الإصلاحات فإن طريقة إخراج القانون كان من المفترض أن تتغير وأن يرافق القانون حزمة أخرى من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تطمئن الناس والمجتمعات المحلية أن الدولة هي الممثل الحقيقي لهم، لقد سمعنا عن نية الحكومة إعادة هيكلة العبء الضريبي من خلال إعادة النظر بضريبة المبيعات التي لا تميز بين المقتدر وغير المقتدر، لكن ما خرج عن الحكومة إلى هذا الوقت غير كاف وما تزال الفرصة متاحة لاستكماله.
هناك حاجة أن يسمع الناس ويلمسوا إصلاحات وإجراءات فعلية تنال التهرب الضريبي وهذه المسألة غير مرتبطة بالقانون بالكامل، فمجرد الإعلان عن مشروع وطني للأتمتة وشرحه للناس وإقناعهم بأن الأتمتة ستأتي بالجميع وستخفف إلى حد كبير من التهرب وتقلل من الواسطة ومن المحسوبية بل وتحد من امتهان الناس، كذلك هناك حاجة أن تسمع المجتمعات المحلية كلاما جديدا ومسؤولا عن قانون الدين العام وأن الحكومة جادة بالفعل بالعودة إلى وضع سقوف للدين وأنه لا يمكن الاستمرار إلى ما لانهاية في نهج الاستدانة.
الدولة والحكومة والبرلمان والقطاع الخاص والمجتمع في مأزق اسمه كيف نمرر قانون ضريبة إصلاحي يعكس مصلحة الاقتصاد الوطني في هذه الظروف الصعبة، وعلى الرغم أن الحكومة هي صاحبة الولاية العامة والبرلمان هو صاحب الكلمة الأخيرة، فإن علينا الاعتراف أن هذا القانون يحتاج إلى شرعية مجتمعية، ما يتطلب كيمياء سياسية جديدة تصغي للناس جيدا.
الغد - الاحد 16/9/2018