الصديق الوهمي للطفل ظاهرة لا خوف منها
المدينة نيوز- كثير من الأباء لا يعلمون شيئاً عن الصديق الوهمي للطفل قبل أن يصل أبناؤهم إلى ثلاث سنوات، فيظهر فجأة وبلا مقدمات في حياتهم صديق يبتكره طفلهم في خياله، ويختفي كذلك بدون سابق إنذار، وقد يصبح هذا الصديق مصدر إزعاج وحيرة وقلق لكثير من الآباء، وتبدأ التساؤلات لديهم: هل طفلي يعاني من مشكلة ما؟ هل يشعر بالوحدة؟ هل هو بحاجة إلى تدخل الاستشاري النفسي؟ وقد يقوم بعض الآباء عن جهل بنهر الطفل لترك الصديق الوهمي معتقدين أنهم بذلك يحمون طفلهم من الدخول في مشكلات نفسية، في حين أنهم بذلك قد يصبحون سبباً حقيقياً وراء مشكلاته النفسية، فالصديق الوهمي قد يكون ظاهرة صحية في أغلب الأوقات.
وتشير نتائج بحث أجري في بريطانياعن الأطفال والخيال شمل 1446 منزلاً إلى أن طفلاً من كل 5 أطفال لديه صديق وهمي، وأن 62% من الأطفال كانوا من الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 3 و5 أعوام.
كما أظهرت الأبحاث أن الطفل الوحيد أكثر قابلية لأن يكون لديه صديق وهمي، وأن معظم الأطفال يتركون أصدقاءهم الوهميين قبل سن 5 سنوات، ولكن بعض الدراسات تشير إلى أن هذا الصديق يمكن أن يبقى في بعض الأحيان خلال سنوات الدراسة، حيث إن الأطفال الذين يعانون من متلازمة داون ومرض التوحد لديهم احتمالات أكبر لتطوير صداقات وهمية.
اللعب الإيهامي
نقول الاستشارية النفسية الدكتورة "هيفاء اليوسف":
يبدأ اللعب الإيهامي لدى الطفل عند سن الثالثة باتفاق كثير من علماء النفس حتى يبلغ ذروته في سن الخامسة، ثم يبدأ في الاختفاء في السادسة والسابعه من عمره، ويظهر الطفل في هذا النوع من اللعب قدراته الابتكارية والاجتماعية، فيلعب في عالم الكبار ويستعيض عن الواقع بموقف خيالي يشبع فيه رغباته الشخصية وأمنياته، وهو يساعد الطفل على فهم العالم من حوله والتكيف معه وتجريب الأدوار المختلفة.
فاللعب الإيهامي ليس هروباً من الواقع بقدر ماهو وسيلة طفل ماقبل المدرسة للتعرف على العالم الحقيقي، وهو يسهل للطفل تكيفه العقلي والاجتماعي مع البيئة المحيطة به.
ومن الشائع جداً خلال فترة اللعب الإيهامي أن يتخذ الطفل لنفسه صديقاً وهمياً يمثل أحد الشخصيات من حوله أو التي قرأتها في القصص أو أعجب بها، فقد تكون ديناصوراً أو دمية أو شخصية من خياله وابتكاره الخاص، يتحدث إليها ويلاعبها ويشاركها فرحه وحزنه، ويزورها ويأكل معها ويقرأ معها القصص ويذهب معها إلى الروضة.
وقد تمثل هذه الشخصية دوراً من الأدوار التي يحب أن يكونها الطفل كالمدرس مثلاً، وهي ظاهرة صحية لا تستدعي القلق أبداً، فالصديق الوهمي هو وسيلة الطفل لاستكشاف الواقع، بل يقول علماء النفس انه من المهم حقاً مجاراة الطفل في ادعاءاته ومشاركته أحداثه مع صديقه، حيث أن وجود هذا الصديق الوهمي يساعده على تفريغ التوتر العاطفي وتنفيس المشاعر المكبوتة كما يخلصه من خاصية التمركز حول الذات، فيتعلم الطفل كيف يتفاعل مع الأخرين ويكون فعالاً ويتبادل الأفكار ويتعاون من خلال صديقه الوهمي، كما أنه يتعلم من خلاله مهارة التخطيط عندما يخطط معه وقت اللعب، ووقت المدرسة، ووقت الطعام، وأيضاً يتعلم من خلاله مهارة حل المعضلات والمشكلات التي قد تواجهه، كأن يدعي الطفل أن صديقه لا يرغب في اللعب معه، فيحاول التوصل إلى حل ما لعلاج المشكلة.
رفقة حقيقية
وتضيف الدكتورة "هيفاء اليوسف":
كما أن وجود الصديق الوهمي يساعده على الحوار ويدعوه إلى الابتكار ويساعده على التمييز بين الصواب والخطأ ويلقي اللوم على صديقه الوهمي، وهذا دليل على تمييزه للصح والخطأ، ولكنه ليس مستعداً بعد لتحمل المسؤولية كاملة، ولا ننسى كمية السعادة التي يشعر بها الطفل مع صديقه الوهمي، وقد وجدت الدراسات علاقة إيجابية بين الإنفعالات الإيجابية والحيوية واللعب الإيهامي.
اللعب الوهمي ووجود الصديق الخيالي بشكل عام مفيد جداً ولا خوف منه، وعلينا إظهار احترامنا له ونسأله عنه من باب المشاركة وعدم تكذيبه بعنف وعدم محاولة اخفائه والتخلص منه أو محاولة قمع الطفل.
وتستدرك:
من ناحية أخرى عندما نجد الصديق الخيالي بشكل عام مفيد جداً للطفل ولا خوف منه، فعلى الآباء الانتباه لتلك المشاعر والتي قد تكون مشاعر الطفل الحقيقية والتي ينفس عنها عبر صديقه الوهمي، وأن يتعاملوا معها بالشكل الملائم مع الحذر من التمادي كثيراً في استخدامه كوسيلة للتلاعب بمشاعر الطفل ومطالبته منه القيام بأمور معينة.
وتحذر اليوسف الآباء قائلة:
علينا ألا نترك الطفل وحيداً مع صديقه الوهمي فقط بل يجب أن نشركه في وسط يتيح له التعرف على صداقات حقيقية من عمره؛ حتى يسهل عليه الاندماج في المجتمع الحقيقي والتفاعل معه وتكوين رفقة حقيقية تغنيه عن الاستعانة بصديق وهمي مع التقدم في العمر.
وتنبه إلى ضرورة الحرص على عدم السماح للطفل باللوم على كل خطأ يقوم به الصديق الوهمي، كأن يكسر شيئاً أو يسرق، فهنا تظهر أهمية أن يعي الطفل أن صديقه هو من خياله، وأن الأهل باستطاعتهم أن يحولوه إلى الواقع، كما يجب تهذيب سلوك الصديق الوهمي إن أخطأ، وهي رسالة غير مباشرة للطفل لتجنب السلوكيات غير المقبلوة. ( بوابة المرأة )