عن جواز السفر والاونروا والمكانة القانونية للاجئ الفلسطيني
تداول ناشطون فلسطينيون مؤخرا اخبارا مفادها ان المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج، قررت منع اللاجئين الفلسطينيين من حملة الوثائق من دخول اراضيها رافضة تجديد اقامات المتواجدين منهم على اراضيها، كما رفضت التعاطي مع جميع معاملاتهم القانونية ما لم يتم استبدالها بوثائق صادرة عن السلطة الفلسطينية.
ورغم خطورة هذا القرار في مدلولاته وتوقيته وعدم صدوره بشكل رسمي بعد، والارجح انه لن يصدر حتى في حال التأكد من صحته، غير ان السلطات الرسمية، السعودية والفلسطينية، وحتى هذه اللحظة، لم تقدم ما يثبت عكس ذلك ولم تصدر اية بيانات رسمية توضح حقيقة الامر.. خاصة ان هذه الاخبار ترافقت مع شائعات متداولة مفادها الغاء وثائق السفر الخاصة باللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية المضيفة واستبدالها بجوازات سفر واقامات سوف يتم تجديدها بشكل دوري..
اين المشكلة فيما سبق ذكره، طالما ان هذا الامر يعتبر، بنظر البعض، مسألة سيادية تتعلق بحق كل دولة في فرض اية شروط تراها ضرورية على كل من يود دخول اراضيها. ولماذا الاعتراض على حمل اللاجئين الفلسطينيين لجواز سفر صادر عن "سلطة فلسطينية" بدل "وثيقة سفر" تصدر عن عدد من الدول؟ طبيعة الرفض والتحفظ ليس في الاجراء الشكلي لحمل اللاجئين لوثيقة صادرة عن "كيان فلسطيني"، بل في خلفيات هذا الاجراء وتداعياته على المكانة السياسية والقانونية لوضعية اللاجئين.. وبهذا المعنى يصبح التساؤل اكثر مشروعية لجهة توقيت هذا القرار بتزامنه مع مساعي امريكية واسرائيلية تبذل لالغاء حق العودة من زاوية الابتزاز المالي لوكالة الغوث..
من الناحية الرسمية والمعلنة، فان الموقف الرسمي العربي، الجماعي والفردي، ما زال صامدا عند حدود رفض "صفقة القرن" ورفض تداعياتها التي يطال بعضها حقوق ومصالح اكثر من دولة عربية. بل ان بعض الدول الخليجية لعبت دورا ايجابيا في معالجة الازمة المالية لوكالة الغوث، وهي لا زالت ملتزمة بدعم الشعب الفلسطيني ماليا وسياسيا.. وفي مقابل ذلك، فهي تلتزم بعلاقات ايجابية مع الادارة الامريكية التي تعتبر الداعم الاساس للسياسات والجرائم الاسرائيلية، لا بل ان هذه الدول بدأت بفتح قنوات سرية وعلنية مع اسرائيل ما يطرح اكثر من علامة استفهام حول طبيعة الدور الذي يمكن لدول الخليج ان تلعبه على مستوى الصراع العربي والفلسطيني الاسرائيلي، سواء سلبا او ايجابيا.
من الناحية القانونية يعتبر جواز السفر وثيقة رسمية تعريفية تمنح عبرها الحكومات الوطنية حمايتها ورعايتها للشخص الذي يحملها وهم حكما المواطنون الذين يتمتعون بجملة من الحقوق ويؤدون واجباتهم تجاه الوطن. اما وثيقة السفر، فهي ذات وظيفة مختلفة ولا تمنح الا في ظروف استثنائية وقاهرة احيانا، وهي بالنسبة للاجيء الفلسطيني تتجاوز في وظيفتها المباشرة حدود التعريف التقليدي، كتسهيل الحركة والتنقل، لتحمل ابعادا ذات صبغة سياسية على تماس بحقوق وطنية للشعب الفلسطيني، خاصة وان ليس هناك جواز سفر موحد لجميع الفلسطينيين، بل جواز ووثائق تصدر عن الدول التي يقيم فيها اللاجئون وهي اشبه بالاقامات الدائمة دون ان يرتب ذلك على الدول الضيفة اية واجبات تجاه اللاجئين..
على المستوى التاريخي، تعددت صيغ واشكال جواز السفر الفلسطيني بتعدد الاوضاع السياسية التي عاشتها فلسطين والشعب الفلسطيني. فمن جواز السفر الخاص بالدولة العثمانية والذي حملته جميع الشعوب التي خضعت للسلطنة العثمانية حتى عام 1917 وما بعد، الى وثائق السفر البريطانية التي كانت تصدر باسم المندوب السامي والتي ظلت سارية حتى مغادرة الانتداب لفلسطين عام 1948 حيث سرى نظام الاحتلال بمنح الفلسطينيين، اصحاب الارض، بطاقات هوية، الى الوثيقة الاردنية التي منحت للفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية، والتي ظلت بعيدة عن الاحتلال، والذين منحوا رقما وطنيا او جوازات سفر بدون رقم وطني لمن منح الجواز بعد العام 1967، الى الوثيقة المصرية للمقيمين في قطاع غزه لمرحلة ما بعد العام 1948 والتي ظلت سارية حتى اتفاق اوسلو الذي استبدل هذه الوثائق بجوازات سفر صدرت باسم السلطة الفلسطينية. فيما منح الفلسطينيون الذين بقوا في ارضهم داخل الكيان الاسرائيلي الجنسيات الاسرائيلية، انما فلسطينيو القدس فقد منحتهم اسرائيل إقامة دائمة، وعلى خلفية انهم اجانب ولا يتبعون الدولة الاسرائيلية وبالتالي لم تمنح لهم الجنسية الاسرائيلية.
اما اللاجئون الفلسطينيون الذين هجروا من فلسطين قبل وبعد العام 1948 نتيجة عمليات الارهاب التي ارتكبتها العصابات الصهيونية الى كل من سوريا ولبنان والعراق، فقد طغت تداعيات النكبة على كل ما عداها، خاصة وان بعضهم عاش على امل العودة السريعة الى دياره وممتلكاته. لكن بعد ان تأكد للجميع ان اقامة اللاجئين بعيدا عن وطنهم وارضهم قد تطول، دخلت الدول العربية على خط المعالجة بشكل رسمي، وطرح على النقاش مسألة اصدار وثائق سفر خاصة باللاجئين، حيث اقر مجلس جامعة الدول العربية في نيسان 1953 "ان تمنح الحكومات العربية المعنية للاجئين الفلسطينيين الذين يقيمون في أراضيها وثائق سفر مؤقتة بناء على طلبهم ما لم يكونوا قد اكتسبوا جنسية إحدى الدول". وهو الامر الذي ما زال ساريا حتى اليوم حيث تطور الامر الى تاسيس مديريات خاصة بمتابعة اوضاع اللاجئين بما يتعلق باصدار وثائق تعريفية وتسجيل حالات الزواج والولادات والوفيات وغيرها من قضايا الاحوال الشخصية..
اما جواز السفر الفلسطيني، وبعد مرور نحو ربع قرن على اصداره، فهناك حوالي 38 دولة فقط تمنح حامله حق الدخول الى اراضيها بشكل مباشر دون الحصول على تأشيرة مسبقة، وللأسف ليس من ضمن هذه الدول اي دولة عربية، الامر الذي جعل جواز السفر الصادر عن السلطة الفلسطينية يقبع في المركز 88 في الترتيب العالمي، وهنا تبدو اليد الاسرائيلية واضحة في منع تطوير الجواز الفلسطيني على المستويين السياسي والقانوني. ويبدو هذا الامر جليا في عدم صدور الجواز الفلسطيني باسم "دولة فلسطين" حتى هذه اللحظة، رغم صدور مرسوم رئاسي من قبل الرئيس محمود عباس عام 2015 بتغيير اسم جوازات السفر الفلسطيني ليكون صادرا عن "دولة فلسطين" بدلا من "السلطة الفلسطينيّة"، خاصة بعد ترقية الوضع القانوني لفلسطين في الامم المتحدة عام 2012 الى "دولة بصفة مراقب"، لكن يبدو ان هناك تعقيدات سياسية ما زالت تقف مانعا امام امكانية صدور الجواز باسم دولة فلسطين وبذريعة ان دول العالم تعترف بالسلطة الفلسطينية وليس بالدولة وهي لن تعترف بجواز ووثائق غير صادرة عن هذه السلطة، وهذا ما يفسر ايضا طبيعة الضغوط التي تتعرض لها بعض الدول من قبل اسرائيل والادارة الامريكية التي قالت في وقت سابق: "إن الولايات المتّحدة تعترف بجواز السفر المكتوب عليه السلطة الفلسطينية وتمنح التأشيرات عليه ويحق لحامليه دخول الولايات المتّحدة، ولكن إذا أقدمت السلطة الفلسطينية على تغيير جواز السفر ليصبح مسماه دولة فلسطين، فإن الولايات المتحدة لن تمنح تأشيرات لحامليه، لأنها لا تعترف بالدولة الفلسطينية".
ولعل حقيقة عدم تطبيق مرسوم الرئيس محمود عباس يختصره الموقف المعبر عنه من قبل وكيل وزارة الداخلية الفلسطينية حسن علوي الذي قال في 25 أيار من عام 2015 ما حرفيته: "أن الوزارة أعدت نموذجا لجواز سفر يحمل اسم "دولة فلسطين"، لكنها لم تصدره، لأن جواز السفر في شكله الحالي المعنون باسم "السلطة الفلسطينية" صدر بناء على إتّاق فلسطيني – إسرائيلي في عام 1995، المسماة الاتفاقية الفلسطينية الإسرائيلية المرحلية الموقعة في مدينة طابا المصرية، ولا يمكن حاليا إصدار وثائق خارج إطاره، وتحرك كهذا سيمس بتنقل الفلسطينيين، نظرا لسيطرة إسرائيل على المعابر، ومع وجود 140 دولة تعترف بفلسطين كدولة، لكن دخولها يتم بواسطة جواز سفر يحمل شعار السلطة الفلسطينية".
ومن المفيد الاشارة بشكل سريع الى الظروف السياسية التي رافقت عملية اصدار السلطة الفلسطينية لجواز سفر والاطار القانوني الذي يغطيه. هل يشمل جميع الفلسطينيين ام فئة معينة منهم، وما هي صيغة العلاقة التي تربط هذه المسألة مع قضية المواطنية الفلسطينية؟
ووفقا لما هو متعارف عليه قانونيا ودستوريا في كل دول العالم، فان عملية اصدار جوازات سفر مسألة تعود بشكل حصري للسلطات الوطنية التي لها وحدها الحق في تحديد هوية مواطنيها وشروط اكتساب جنسيتها بواسطة دستورها وقوانينها التي تصدرها هيئاتها التشريعية، وذلك استنادا الى مفهوم قانوني باعطاء الحرية الى القوانين الداخلية في تقرير هوية مواطني دولة ما بشكل تفردي ودون أي تدخل خارجي، باعتبار ان هذا الحق يشكل احدى ركائز السيادة والاستقلال، وعلى هذا الحق تستند الدول في ممارسة ما يعرف بـ "الصلاحية الشخصية" حيال طائفة معينة من الاشخاص يجمعهم رباط قانوني واحد يعرف عادة بالجنسية.
هذا على المستوى النظري العام، اما على المستوى العملي والتطبيقي، فان السلطة الفلسطينية، وحتى هذه اللحظة، لا تخضع لهذا المبدأ، بل هي مقيدة بنصوص الاتفاقات الموقعة مع اسرائيل التي سمحت لها بحرية اصدار جوازات سفر خاصة بفلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، بدون فلسطينيي القدس وبمعزل عن اللاجئين في الاقطار العربية المضيفة وفي بقية بلدان الاغتراب. لذلك، فان الفلسطينيين المعنيين بجواز السفر الفلسطيني هم، عمليا، اولئك المقيمون في الضفة الغربية وقطاع غزة. اما اللاجئون، خاصة من هم في الضفة وغزه، فقد حرموا من حق التمتع بالمواطنية، رغم مشاركة بعضهم في انتخابات الرئاسة الفلسطينية وانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني. ولهذا مدلولات سياسية خطرة قد يكون اخطرها اضعاف مقولة الانتماء الفلسطيني وهو ما سعت اليه اسرائيل باصرارها على ان تكون المادة الخامسة من الميثاق الوطني من ضمن المواد التي الغيت من قبل المجلس الوطني الفلسطيني عام 1998.
رغم ذلك، فقد منحت السلطة الفلسطينية منذ سنوات وحتى اليوم الآلاف من جوازات السفر الصادرة عنها للاجئين فلسطينيين، لكن دون ان يكون لهؤلاء حق التمتع بالمواطنية الفلسطينية او حق الدخول الى فلسطين. وقد عبر البعض عن خشيته من نتائج عكسية لهذه المسألة قد تطال الوضعية القانونية للاجيء، خاصة وان جواز سفر السلطة بالنسبة للاجئين لا يعتبر جنسية بل مجرد وثيقة تساعد على حل بعض الاشكالات القانونية التي يعاني منها بعض اللاجئين في دول كلبنان وسوريا ومصر والعراق. وهذا ما تؤكده السلطة نفسها بأن جوازات السفر التي منحت لبعض اللاجئين الفلسطينيين هي فقط في حالات خاصة واستثنائية ولا تعطى بشكل جماعي، بل للذين لا يحملون منهم وثائق رسمية.. لكن تبقى هذه المسألة محفوفة بالمخاطر والمحاذير من امكانية استغلالها سياسيا من قبل اسرائيل التي تضغط بشكل دائم من اجل الغاء حق العودة..
وإذا كانت الجنسية وعنوانها بطاقة الهوية او جواز السفر، تشكل حماية قانونية من دولة ما لمواطنيها، وشمول مواطنيها بما يصطلح على تسميته في اطار القانون الدولي بـ "المسؤولية الدولية"، فان المخاطر التي قد يتعرض لها حق العودة هي من مدخل "اجبار اللاجئين على التمتع بحماية قانونية وهمية" وعبر ايجاد اكثر من صيغة قانونية من بينها منح جواز سفر السلطة للاجئين الفلسطينيين، دون ان يرتب ذلك للاجئين اية حقوق سياسية او قانونية لجهة حمل الرقم الوطني مثلا.
ويمكن التعرف على بعض من هذه التداعيات والمخاطر من خلال استعراض المساعي المبذولة من قبل الادارة الامريكية واسرائيل لتصفية حق العودة والغاء المكانة القانونية للاجئين عبر استهداف وكالة الغوث:
§ سعى الادارة الامريكية الى إلغاء صفة اللاجىء عن أبناء الجيل الثاني والثالث من اللاجئين الفلسطينيين عبر المس بالتفويض الممنوح دوليا لوكالة الغوث وافراغها من مضمونها السياسي والقانوني وبما يقود الى تحويل خدماتها الى منظمات انسانية اخرى تمهيدا لتجريدها من صلاحية اصيلة لديها بتوريث صفة اللجوء من الاجداد الى الابناء فالاحفاد.
§ دعوة رئيس وزراء العدو بنيامين نتن ياهو الى حل وكالة الغوث وتحويل قضايا اللاجئين الفلسطينيين الى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، لأن وجود الوكالة وانشطتها، من وجهة نظره، يساهمان في تخليد مشكلة اللاجئين. وهي المرة الاولى منذ العام 1949 التي يتجرأ فيها مسؤول اسرائيلي وبشكل علني على الدعوة الى تفكيك وكالة الغوث وحلها. وقد جاء هذا الموقف بعد لقاء مع السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، في اشارة واضحة الى الانسجام الكامل في المواقف الامريكية والاسرائيلية، وايضا بعد مجموعة من حملات التحريض الممنهج من دول ومؤسسات ضد وكالة الغوث وخدماتها بذريعة تحريضها على "العنف والارهاب" ضد اسرائيل..
§ الاكثار من الحديث عن تسييس الاونروا واطلاق حملة شعواء من مراكز بحثية واعلامية، تحت شعار "حيادية المنظمات الدولية"، وصولا الى تسييس المساعدات الدولية بما يسمح بتغيير التفويض الممنوح لها من منظمة انسانية دولية وظيفتها الاغاثة والتشغيل، وفقا لقرار تأسيسها، الى منظمة ذات طابع اقليمي وبوظائف مختلفة يقع في مقدمتها المساهمة في توطين اللاجئين..
§ تفعل قانون قديم سبق لمجلس النواب الأمريكي ان اصدره عام 2013 تحت عنوان "تعديل تمويل المساعدات الخارجية لعام 2013"، حيث الزم هذا القانون وزارة الخارجية بالتدقيق في اعداد اللاجئين الفلسطينيين ومعرفة من منهم يستحق المساعدات من قبل وكالة الغوث ثم شطب الذين لا يستحقون هذه المساعدة من سجلات الوكالة. اضافة الى تحديد عدد الذين هاجروا فلسطين عام 1948 وتمييزهم عن الذين ولدوا بعد ذلك.
ما سبق ذكره لم يعد تحليلا بل هو عبارة عن مواقف وتصريحات صدرت وتصدر في العلن ويجري العمل على تطبيقها بشكل تدريجي ويومي. وإذا كانت الصورة غير واضحة للبعض ممن يحاولون التخفيف من وطأة منح اللاجئين جواز سفر فلسطيني دون ان يعني ذلك توفير الحماية للاجئين التي تبقى من صلاحيات ومهام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة ، فيصبح لزاما تقديم صورة، ولو موجزة عن عمل هذه المفوضية وامكانية استغلالها من قبل اسرائيل والادارة الامريكية لجعلها جسرا لعبور مشاريع تصفية قضية اللاجئين..
تعتبر المفوضية معنية بتقديم الحماية ومساعدة اللاجئين والبحث عن حلول مستدامة لمشاكلهم الناتجة عن هروبهم من بلادنهم الاصلية الى مناطق اكثر امنا. ويمكن أن يشمل تكليف المفوضية بالمعنى الذي تنص عليه إتفاقية اللاجئين لعام 1951، اللاجئين الفلسطينيين كما تعرفهم وكالة الغوث، إنما حصراً في حال وجود هؤلاء خارج مناطق عمليات الأونروا الخمس. إذ بحسب تعريف الأونروا، يُطلق لقب لاجيء فلسطيني على "أي شخص كان محل إقامته الطبيعي يقع ضمن نطاق الانتداب على فلسطين خلال الفترة ما بين 1 حزيران 1946 و 15 أيار 1948 والذي فقد منزله وسبل عيشه على حد سواء نتيجة الحرب التي قامت عام 1948 بين العرب وإسرائيل، ويكون بذلك مؤهلاً لحمل اللقب والتسجل لدى وكالة الأونروا. ويُؤهَّل للتسجيل لدى وكالة الأونروا الأشخاص المتحدرين من اللاجئين الفلسطينيين، ولكن لا يستفيد من خدمات الوكالة إلا الذين يعيشون في واحد من الميادين الخمسة المشمولة في عملياتها". أما المفوضية فتعرِّف اللاجيء وفق إتفاقية عام 1951 الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنه "كل شخص يوجد بنتيجة أحداث وقعت قبل تاريخ 1 كانون الثاني 1951 نتيجة خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو إنتمائه إلى فئة إجتماعية معينّة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يعود إلى ذلك البلد".
يتضح مما سبق، أن اللاجيء هو الذي أصبح من دون حماية وطنية نتيجة تركه بلده بسبب خوفه، الأمر الذي يستوجب أن تتم حمايته دوليا. لكن هذه الحماية، وبالتالي، صفته كلاجيء، تسقطان عنه إذا إكتسب جنسية جديدة وأصبح يتمتع بحماية الدولة التي منحته هذه الجنسية (الفقرة ج من المادة 1). كما أن اللاجيء يفقد وضعه كلاجيء إذا إستعاد باختياره جنسيته الأصلية بعد فقدانه لها. لكن إذا تم ذلك قسراً، ولو إستفاد من حماية الدولة المضيفة، فإن صفة اللاجيء لا تسقط عنه. أي أن اللاجيء يفقد صفة اللاجيء في حالتين إثنتين؛ الاولى: إذا إكتسب جنسية جديدة وأصبح يتمتع بحماية دولة هذه الجنسية؛ والثانية: إذا إستعاد باختياره جنسيته بعد فقدانه لها.
غير أن هناك بعض اللاجئين الذين لا يمكنهم الإستفادة من مزايا هذه الاتفاقية التي تنطبق فقط على الاشخاص الذين لا يتمتعون بحماية دولية، ولا تنطبق على الاشخاص الذين يتمتعون بحماية أو مساعدة من هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة غير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. فإذا توقفت هذه الحماية أو المساعدة لأي سبب دون أن يكون مصير هؤلاء الأشخاص قد سوي نهائيا، يصبح هؤلاء الأشخاص جرّاء ذلك مؤهلين للتمتع بمزايا هذه الاتفاقية (الفقرة د من المادة1 ).
لذلك فان التفويض الممنوح لوكالة الغوث يقتصر على الحماية الإجتماعية عكس التفويض الممنوح للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وإستثناء إتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين بشكل صريح ومقصود اللاجيء الفلسطيني من تعريفها، جاء نتيجة مراعاة الظروف السياسية التي تحيط بقضية اللاجئين الفلسطينيين وتمييزهم عن حالات اللجوء العامة، من خلال التأكيد على مسؤولية الاونروا ودورها في تأمين المساعدة لهم. وقيمة هذا وإيجابيته تتمثل في صون قضية اللاجئين الفلسطينيين من مخاطر العبث بقضيتهم كونها ذات طابع سياسي، حيث ينطوي القبول بالتعريف العام للاجئين على مخاطر إضاعة حقهم الأساسي في العودة إلى الديار والممتلكات.
لقد اكتسبت مشكلة التعريف لمفهوم اللاجىء في المفاوضات العربية والفلسطينية – الاسرائيلية اهمية كبيرة، نظرا للنتائج التي يمكن ان تترتب على هذا التعريف. وليس غريبا ان أول نقطة اصطدمت بها لجنة اللاجئين في المفاوضات المتعددة الاطراف التي انطلقت بالتزامن مع المفاوضات الثنائية الفلسطينية والعربية الاسرائيلية، كانت مشكلة الاتفاق على تعريف موحد للاجئين، والتي لم تتوصل الى اية نتائج ايجابية، بسبب موقف الوفد الاسرائيلي، الذي اثار موضوع المواطنين اليهود الذين غادروا الدول العربية، واعتباره بان أي تعريف محتمل للاجئين، يجب ان يشمل هؤلاء. وابعد من ذلك سعت الادارة الاميركية الى اعطاء تعريف اشمل للاجئ يطال جميع اللاجئين في منطقة الشرق الاوسط، حيث عرفت اللاجئ بأنه: "كل من تم اقتلاعه من مكانه نتيجة الصراع". وهي بذلك حاولت اعطاء تعريف يسمح لليهود الذين غادروا الدول العربية بالاستفادة منه.
ان الخلاف الناشئ في تعريف اللاجئ الفلسطيني، انما يأتي بهدف معرفة مَنْ مِنَ اللاجئين الفلسطينيين يمكن ان يستفيد من حق العودة، فيما لو قبلت اسرائيل تطبيقه. وطالما ان هناك صعوبة في ايجاد تعريف شامل وموحد للاجئين الفلسطينيين، فان التعريف الأدق هو الذي ينطلق من مفهوم المواطنية ربطا باسباب التهجير.
وعلى كل حال فهناك طريقتين لا ثالث لهما، اما الاخذ بنظرية رابطة الدم أي اعتباره فلسطيني كل من ولد من اب فلسطيني بغض النظر عن الاقامة في فلسطين او خارجها، او الاخذ برابطة الارض، أي كل من ولد على الارض الفلسطينية (كمفهوم قانوني) فهو فلسطيني، وهناك امكانية الجمع بين النظرتين. وعلى خلفية تعريف المواطن الفلسطيني يمكن اعطاء تعريف واضح لمفهوم اللاجئ.
انطلاقا من ذلك، يمكن فهم خلفيات الاصرار الامريكي على اعطاء تعريف جديد للاجيء بحصر اللاجئين في اطار من هجر منهم فلسطين عام 1948، واسقاط صفة اللجوء عن ابناءهم واحفادهم. وهذا ما فعله رئيس وزراء العدو الذي دعا الى دمج اعمال وكالة الغوث بالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وهذا هو سبب التخوف من اية اجراءات عربية تقود الى نزع صفة اللاجئ عن ملايين اللاجئين الفلسطينيين واستبدال وثائق سفرهم كـ "لاجئين" بـ "جوازات سفر" تمنحهم "حماية وهمية" مقابل اسقاط صفتهم كلاجئين وبالتالي اسقاط حق العودة عنهم باعتبارهم لم يعودوا لاجئين ويحملون جوازات سفر كـ "المواطنون الفلسطينيون"... او انهم لاجئون وفقا لتصنيف المفوضية التي قد تتعاطى معهم وفقا للصلاحيات بلدان الممنوحة لها بايجاد حلول مستدامة لهم خارج اطار العودة الاصلية بل في اطار بلد ثالث، اي التوطين.. ولهذا السبب ايضا عبر اللاجئون عن خشيتهم من الوثيقة الصادرة بشكل مشترك عن المفوضية ووكالة الغوث في شهر كانون الاول 2017 تحت عنوان "مباديء توجيهية للحصول على الحماية الدولية".
ففي قراءاة متأنية لما حملته هذه الوثيقة من افكار، لا يمكننا تفسير اي حديث عن "سيناريوهات بديلة" لمرحلة ما بعد وكالة الغوث وادخال تعديلات "قسرية" على وظائف الاونروا سواء ما له علاقة بالميزانيات او بالاستراتيجيات الا باعتباره استجابة صريحة للدعوات الامريكية والإسرائيلية التي تعمل على الغاء الوكالة في اطار السعي المباشر لالغاء قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة.. وعلى هذه الخلفية مثلا رفض الفلسطينيون المواقف المنسوبة لوزير الخارجية اللبناني جبران باسيل على هامش مؤتمر روما الذي عقد في شهر آذار 2018 بـ"دعوة وكالة الغوث الى شطب كل لاجئ فلسطيني من قيودها في حال تغيبه عن الأراضي اللبنانية أو في حال استحصاله على جنسية بلد آخر"، وخك سيرفضون اي مواقف سياسية تقترب من المشاريع الامريكية الاسرائيلية الهادفة الى تصفية حق العودة..
اما على المستوى الفلسطيني، فان ما تتعرض له قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة من استهداف واضح يتطلب اكثر من مجرد مواقف رافض. فهذا قد يصح في العلاقة ما بين نظام سياسي مستقر وقوى سياسية او بين قوى سياسية فيما بينها وتحكمها انظمة وقوانين تسري على الجميع، بينما بالنسبة الينا كفلسطينيين فنحن لا زلنا نعيش كحركة تحرر وطني في مواجهة احتلال لا يفهم لغة الحوار والمنطق، بل ان مواقف هذا الاحتلال تترجمها ممارسات ميدانية على الارض. والاهم من ذلك ان المشروع الامريكي "صفقة القرن" ليس مشروعا مطروحا للحوار او للعصف الفكري بل هو مشروع للتطبيق المباشر، وقد بدأت تطبيقاته الميدانية على الارض، ما يعني ان موقف الرفض العام لا يعني شيئا ما لم يكن مقترنا بمواجهات ميدانية تتصادم بشكل ميداني ومباشر مع هذا المشروع وعناوينه المختلفة، وهذا هو احد اوجه الخلاف مع سياسة الرئيس ابو مازن الذي يكتفي بالحالة الاعتراضية ويرفض اي شكل من اشكال المواجهة مع افرازات المشروع الامريكي الاسرائيلي على الارض..
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين