المغرب والنفق المسدود.
نصح تقرير، صادر عن المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات في نسخته التاسعة، القائمين على السياسات العمومية المغربية، ودق ناقوس الخطر بأرقام رسمية ناطقة، وعنون المرحلة وكناها "بالانحباس" وقرنها بما اصطلح عليه "بالنفق المسدود". وتعود أهمية التقرير "المغرب في سنة" أنه إصدار جامع يتطرق إلى حالة بلدنا الحبيب على جميع المستويات بمعطيات تعود بالأساس وفي أغلب فقراته ومضامينه لمؤسسات رسمية لا يمكن التشكيك في صحة تصريحاتها، ذيل لائحتها ومجمل مراجعه والمواقع المعتمدة في آخر كلماته وختم بها. هذا العمل الذي يعد مادة علمية غنية بالمعلومة، ملما بها ومنسقا لها رابطا ومحللا ودارسا وكاشفا لعصارة خلاصات تتوجه للجانب الرسمي للتحرك والتدارك والإصلاح وتقويم عدد من السياسات العمومية، كما يعد مرجعا لا يستهان به، ووثيقة مرجعية لعدد من الأحداث بشكل مركز ومضبوط.
هاته الدراسة المغربية من مؤسسة مستقلة وغير حكومية، التي استطاعت لسنتها التاسعة، منذ سنة 2008، وسط عدد من الإكراهات وشح المصادر وندرة الوصول إلى المعلومة، إلا مما هو متاح ومبثوث رسميا، رغم صدور قانون الحق في الحصول عليها. يعد العمل حصيلة وثمرة عمل مضن لزمرة من الأكاديميين، كما أكد لنا ذلك السيد شكري مصطفى منسق الفريق، الذي عبر لنا عن الصعوبات الجمة، لكي يخرج هذا العمل إلى الرأي العام الوطني والإقليمي والدولي، كما أوضح لنا استقلالية المركز من أولى خطوات الإنجاز إلى آخرها في اشتغاله وبحوثه، وتحدث لنا عن محطاته سواء السابقة أو القادمة.
سنحاول تسليط الضوء عليه إجمالا في هاته الإطلالة السريعة. وإلا فما على المهتمين إلا الحصول على التقرير وتفحصه، ومناقشته، والتدقيق بمحتوياته، ولما لا نقده وتناول جوانب النقص فيه إن وجدت، في ظل فراغ الساحة الوطنية إلا من مراكز وهمية يدفع لها من جيب المواطن المغربي لتؤثث المشهد الميت، أو يخرج أصحابها بأسماء ضخمة وفخمة بعدد من المنابر!
ورغم أن الدراسة تبدو للوهلة الأولى سهلة وبسيطة اللغة، ربما لكي تصل لأكبر شريحة من الشعب المغربي، ويستطيع من خلالها الباحث والمتتبع والقارئ العادي أن يستشف مضمونها. فقد نجحت أن تسلط الضوء على وضعية البلد، وعدد من المناطق الرمادية بالمغرب، مما كانت ولازالت محظورة من التداول، وتعد خطوطا حمراء.
من حيث الشكل: الغلاف عبارة عن طريق، لكن لايدرى أين يسير، مفتوحا على المجهول والسواد، بخطين بلون أصفر، جنباتها "جافة" وسماؤها ملبدة بسحب متفرقة.
تنساب صفحات "التقرير" التي تجاوزت المئتين، لترسم صورة مختصرة عن الأوضاع في مجالات السياسة والاقتصاد وعلى المستوى الاجتماعي، بالإضافة لكلمة شكر، وفهرس من صفحتين لأهم ما جاء بالتقرير. فيما خصصت الصفحات الأخيرة للمعطيات الرقمية والمراجع، بما يربو عن 15 صفحة فيها مراجع وطنية رسمية، وأخرى دولية وإقليمية.
أما من حيث المضمون فقد جاءت محاور التقرير كالتالي:
المجال السياسي والدستوري:
أربعة عناوين، تضمنت السلط العامة للدولة، كما رصد سلوكها السياسي، ثم سياستها الخارجية بين أعطاب الماضي وإكراهات الحاضر. بعدها حصيلة حقوق الإنسان لسنة 2017، لتكون قضية العنف ضد النساء مسك ختام المحور الأول.
المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي:
عرج على الاستثمارات الغزيرة بإفريقيا، ثم المالية التشاركية التي تم إطلاقها داخليا، ومر على المجالين الفلاحي والصيد البحري وما يتهددهما وينتظرهما من تحديات. ليطل على المنظومتين المنخورتين الصحية والتعليمية في عدد من العناوين التحليلية، ثم أنهى مبحثه بالمجال الثقافي التائه التافه في نسخته الحالية.
ظروف الإصدار وسياقه:
في التقديم للكتاب، أشار فريق العمل أن أربعة سياقات حكمت التقرير. فسياسيا، حرص الخطاب الرسمي على الاعتراف بفشل النموذج التنموي، ودائما ما يتم توجيه اللوم إلى الدائرة الحكومية وما تحتها من مؤسسات تنفيذية، فيما تتنصل الجهات الحقيقية من ربط المسؤولية بالمحاسبة، ويعني هنا التقرير المؤسسة الملكية في ثنايا حروفه.
على المستوى الاقتصادي، فلم يخف تفاقم المديونية العامة وتفشي البطالة وانهيار القدرة الشرائية للمواطن المغربي، مما يؤثر سلبا على الدورة الاقتصادية...
أما اجتماعيا فقد عرف انفجارا احتجاجيا واسعا وشاسعا بعد أزيد من ستين سنة على ما أطلق عليه "استقلال" البلد.
كما خصص التقرير في ثناياه ضمن حصيلة حقوق الإنسان للمغرب 2017 سطورا لمحنة الصحفيين بالمغرب، منهم الزملاء حميد المهداوي، البقالي وبوعشرين.