تلقي المعرفة أم بناء الإنسان؟

تم نشره الأربعاء 17 تشرين الأوّل / أكتوبر 2018 12:29 صباحاً
تلقي المعرفة أم بناء الإنسان؟
مروان المعشر

كثر الكلام عن تطوير التعليم في العالم العربي، وتم ربطه في أغلب الأحيان بمواكبة مخرجات التعليم مع احتياجات العمل، وبهذا قصرت معظم جهود تطوير التعليم في المنطقة عن الهدف الأسمى لهذا التطوير وهو بناء الإنسان المتكامل الذي يستطيع التفاعل مع مجتمعه بالكامل ويمارس دوره الإيجابي في المواطنة. 
تحتاج نظم التعليم العربية لخدمة احتياجات مجتمعات تحترم التعددية وبناء مواطنين فاعلين، يتم تهيئتهم للتعامل مع التحديات المعقدة والقدرة على تحقيق التغيير الإيجابي. بدلا من ذلك، فإن جل التركيز الحالي يعتمد على المؤشرات الرقمية متجاهلا النوعية، وبذلك لا يتم تحقيق الهدف الأسمى لهذا التطوير. إن التركيز الضيق على احتياجات سوق العمل يغفل حقيقة أن الازدهار الاقتصادي ليس وحده على المحك، بل الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي ايضا. 
تطوير التعليم أكبر بكثير من مجرد تنقيحات معينة للمناهج بهدف تلبية احتياجات السوق، بل يجب أن يركز بشكل أكبر على تطوير عملية تعلمية تدفع بالمجتمع كله إلى الأمام، ويتكامل فيها ما يحدث داخل الغرفة الصفية مع ما يحدث خارجها في المجتمع بأكمله. 
أما التركيز على تلقي منظومة معرفية معينة دون التكامل مع المجتمع بأكمله سينتج أجيالا من المواطنين غير الفاعلين. فالتركيز على الجانب الاقتصادي للتعليم وإغفال الجانب المواطني يمثل إشكالا أخلاقيا ويؤدي بالنهاية إلى هزيمة ذاتية. 
لا بد من الاعتراف أن النظم التربوية العربية ليست مصممة لتحتضن قيما كالمواطنة التشاركية والديمقراطية. فالنظم المدرسية مصممة لتشجيع المدرسين والمدرسات لتعليم مهارات إدراكية منخفضة المستوى على حساب مهارات اعلى قيمة كالتفكير الناقد والتحليل والتقييم. لذا، فان مدارسنا تنتج خريجين وخريجات لديهم مؤهلات معينة لكنها منخفضة المستوى وهم غير مسلحين بالمهارات اللازمة للتعامل مع التحديات السياسية والاقتصادية والمجتمعية التي تواجهنا - إضافة إلى أنها لم تنجح أيضا في تلبية احتياجات سوق العمل. 
هناك حاجة ماسة لإعادة اختراع دور وزارة التربية والتعليم، فمركزيتها في صنع القرار التربوي أدى لانغلاقها المتزايد عبر العقود الماضية ولثقافة مفادها أنها وحدها المناطة بتطوير التعليم دون اعترافها بدور المجتمع بأكمله في ذلك. تحتاج عملية التطوير لجهد مجتمعي تلعب فيه الوزارة دور المشرف والميسر بدلا من دور الحاكم بأمره. 
لقد أخذ الجدل حول تطوير التعليم في بلادي منحى سلبيا للأسف، بسبب انطباع البعض أن هذا التطوير يشجع الطلاب على التشكيك بأمور دينهم. هذا ليس نقاشا تربويا وإنما سياسي بامتياز. فالتعليم الديني في منطقتنا كان يتضمن تاريخيا التفكير الناقد وكان يهدف الى تعليم الطلاب ليس فقط حفظ النصوص وإنما أيضا تطبيق مفاهيم الدين الأساسية في حياتهم اليومية. 
لا يعني كل هذا عدم وجود محاولات جادة في العالم العربي تعي كل هذه الحقائق وتعمل على تطوير نظم لتطوير التعليم بشكل تشاركي مع المجتمع، وتهدف إلى الارتقاء بالتعليم من التركيز على تلقين المعرفة إلى مساعدة الطلاب للتعبير الواضح والمقنع عن أنفسهم، وللتفكير الناقد، ولحل المسائل المعقدة في العلوم والرياضيات وحقول أخرى. من بين هذه المبادرات مثلا مشروع "تمام" (التطوير المستند الى المدرسة) وهو مشروع بحثي تعاوني بين الجامعة الأميركية في بيروت وعدد من المدارس في الأردن والسعودية ولبنان بدعم من مؤسسة الفكر العربي لتطبيق المفاهيم التي أوردتها أعلاه. 
نحتاج إلى تعميم المشاريع التربوية مثل "تمام" ومشاريع أخرى في تونس وفلسطين والأردن التي تدرك أهمية النظرة المتكاملة للتطوير التربوي في العالم العربي لتنطلق من جزر منعزلة إلى نظم يتلقفها الجميع. هذا أكبر تحد يواجه مستقبل العالم العربي.

الغد - الاربعاء 17\10\2018



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات