الفساد المغطى بتواقيع

تم نشره الجمعة 02nd تشرين الثّاني / نوفمبر 2018 12:40 صباحاً
الفساد المغطى بتواقيع
ماهر ابو طير

منذ سنوات طويلة، والتحذيرات تتوالى من كلفة انهيار الثقة بين الناس، والحكومات، ولا احد يستمع، ولا احد يتنبه الى معنى الكلام، ولا احد يريد أيضا، ان يأبه بما يقال.
الغضب الاجتماعي، الذي يتجلى بالعنف في كل مكان، والتعبيرات الحادة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتأثير الاشاعات، وانتشار الريبة والشك والكراهية والعدائية، لم يأت من فراغ، وبين أيدينا تقرير ديوان المحاسبة، لعام 2017، وهو لوحده كفيل بتأجيج كل هذه الحملات والموجات، فلا تسألوا لحظتها عن سر موجات الغضب والتجريح؛ لان الإجابات واضحة، كما الشمس.
تقرير ديوان المحاسبة، يكشف كوارث في طريقة الانفاق المالي، على الهدايا، وفواتير الهواتف، والمكافآت بملايين الدنانير التي تنفقها جهات عديدة، وغير ذلك من نفقات، يقول للناس، ان هناك فسادا إداريا، من شكل آخر.
الافراط بحد ذاته في الصلاحيات، أي صلاحيات الانفاق المالي، دون أي سقوف، او محاذير، يعد شكلا من اشكال الفساد، حتى لو تمت تغطية هذا الفساد، بتواقيع من المسؤولين والمدراء.
الفساد، ليس مجرد سرقة عبر العطاءات او المشاريع، او العمولات، او اختلاس المخصصات المالية، او الواردات، اذ ان الفساد له اشكال عديدة، من بينها طريقة الانفاق، وشكلها، واولوياتها، وهذا يفتح الباب واسعا، حول صلاحيات الانفاق، ونحن نعرف ان هناك مخصصات مالية، لدى كل الوزارات والمؤسسات، وبالامكان الانفاق منها، وتغطيتها بتواقيع رسمية، تبدو غير مخالفة، شكلا، لكنها مخالفة من حيث المضمون، باعتبارها «استزادة وافراطا» فيما هو متاح من إمكانات.
الذي يعود الى تقارير ديوان المحاسبة، خلال العشرة اعوام الأخيرة، يكتشف بكل بساطة ان مئات الملايين ان لم يكن اكثر، تبددت بسبب الاستزادة، او المخالفات المستترة، او توظيف الصلاحيات بطريقة خاطئة؛ ما أدى الى ما نواجهه اليوم، من تردي الوضع الاقتصادي، والغرق في الديون.
بعيدا عن ديوان المحاسبة، وتقريره، فأن هذه الحالة نواجهها أيضا في الجامعات التي تغرق في ديونها، جراء استقلالها، وانفاقها المال، على بناء المباني بكلف مذهلة، دون أي داع، او شراء السيارات، او حتى التوظيف مراعاة للواسطات والتدخلات؛ ما جعل الجامعات اليوم، أسيرة لسوء الانفاق، وهو امر نراه أيضا في البلديات، والمؤسسات المستقلة، التي تعاني من هذا الوباء أيضا.
هذه فوضى عارمة، تتسبب بتراجعات كبيرة، على مستوى الاستقرار المالي، وعلى مستوى الديون، والنتيجة هي انتهاء الثقة بين المواطنين والدولة، وبالتالي تفشي موجات من الغضب والنقد والتجريح والاشاعات.
علينا ان نقر هنا، ان كل ما نراه اليوم، لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة منطقية، لكل هذه الفوضى العارمة، التي نراها، من الفساد المباشر،أي السرقة، مرورا باشكال الفساد الأخرى، وليس ادل عليها من ملف السجائر في الأردن، وصولا الى الكيفية التي يدير بها المسؤولون صلاحياتهم المالية.
المؤلم هنا، ان الكل متورط في أنماط فساد كبيرة وصغيرة، اذ لا فرق اليوم، بين من يختلس مليونا من الدنانير في مشروع كبير، وبين ذاك الذي يفرط في استعمال هاتفه النقال.
الكل يحفر حفرته في جدران هذه القلعة.

الدستور - الجمعة 2-11-2018



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات