من الانباط الى اردن اليوم: الحضارة في قلب القسوة
المدينة نيوز -سليمان قبيلات وبشرى نيروخ- :- رفض الاردنيون الانباط الاستسلام لاملاءات الطبيعة القاسية، وهو ما يعبر عنه البناء الحصين لعاصمتهم التي عرفت هندسة الحصاد المائي والمنشآت التي حفزت استقرارا أسس لحالة من التمدن وخفضت التكلفة البشرية والمادية في مواجهة الغزو الاجنبي والسيول العارمة على حد سواء.
البتراء التي صاغت الوجدان الاردني، استفزتها الجغرافيا لتعرف قبل الفي عام، مسالك تصريف مياه السيول، على ما يؤكد خبراء راوا ان في مقدور الاردن اليوم، محاكاة مدينة الحجر في تطويع الطبيعة وتسخيرها في ابتكار حلول تحد من خطر تقلبات المناخ.
في خضم الحديث عن السيناريوهات القاسية التي تتوقعها اوساط علمية عالمية، حول تغير المناخ في الاردن وعموم المنطقة العربية، يؤكدون الحبراء اهمية التخطيط العلمي في مواجهة آثار التغير المناخي، الذي تقول الدراسات العالمية انه قد يفضي الى ارتفاع درجات الحرارة، بحلول العام 2050، بمعدل 1.5 - 2.5 درجة مئوية.
الخبير والمفكر البيئي الدكتور أيّوب أبو ديّة، يؤكد اهمية تنمية ثقافة الاعتماد على وسائل جديدة لمواجهة التغير المناخي، وهو الامر الذي اتقنه الانباط ببراعة قبل الفي عام.
ابو دية صاحب كتاب "نهاية العالم على مذبح التغير المناخي"، يلفت يوضح أن مساهمة الأردن في الغازات الدفيئة لا تغطي سوى 0.1 %، في وقت أظهرت فيه دراسة للبنك الدولي العام 2006 أن المملكة "تخسر 2.2 - 2.3 % من الدخل القومي بسبب التدهور البيئي".
استاذ كلية السياحة والفندقة في الجامعة الأردنية الدكتور ابراهيم بظاظو، راى أنه لابد من استحداث بوابات في مدينة البتراء وإعادة ترميم الخزانات التي تضبط المياه في الاودية و إعادة ترميم القنوات الفخارية المنتشرة على طول امتداد المدينة، والتي كان يستخدمونها الانباط في ضبط فيضانات الأودية، وكذلك لا بد من اعادة ترميم السدود النبطية القديمة التي تم بناؤها قبل ألفي عام من أجل ضبط حركة المياه في المنطقة .
وأضاف ان من الضروري إيجاد المسارات السياحية بديلة، داخل المدينة الأثرية وتكون بعيدة عن امتدادات الأودية المائية، وتؤدي إلى ضبط الطاقة الاستيعابية داخل المدينة الأثرية، وهذا ما ورد من توصيات إدارة مدينة البتراء الأثرية من قِبل منظمة اليونسكو للتراث العالمي ، وذلك بهدف الحفاظ على الادراج النبطية والمعالم والنقوش الموجودة داخل المدينة، إضافة الى الحفاظ على التكوينات الصخرية الطبيعية ذات الجمالية العالية لتنوع ألوانها الناجم عن تنوع المعادن المعادن المكونة لها.
ودعا ان تكون المسارات السياحية البديلة ضمن عدد من المسارات وهي، مسار وادي فرسه، ومسار المدرس، ومسار الطيبة، ومسار الراجف، ومسار ام صيحون ،ومسار السيق المعتم.
وتعرضت مدينة البتراء في العام 1966 إلى فيضان مدمر أدى الى وفاة 20 سائحا في المنطقة، مما يشير إلى أن المنطقة تتميز بأمطار اعصارية في الفترة الانتقالية بين تغير المواسم المناخيه وذلك في فترتي الخريف والربيع.
حيث تسقط الأمطار بكميات كبيرة ضمن فترات زمنية قصيرة فلا تستطيع التربة امتصاص هذه الكميات المائية وتسربها بالتالي إلى باطن الأرض ،وهو ما يؤدي إلى جريان سطحي سريع ومباغت، وبما يسمى بالفيضانات الومضية وقد تأثرت خلال العقود الثلاثة الماضية هذه المدينة الاثرية، وادى الى ضياع الكثير من المعالم والنقوش بفعل هذه الفيضانات، وبسبب التعريه المائية التي لم تستطع الإدارات المتعاقبة للبتراء من وضع حد لهذه العوامل الطبيعية من التأثير على الواجهات النبطية المحفورة على الصخور الرسوبية التي تتكون منها المدينة الأثرية.
وأشار إلى عزوف الكثير من المؤسسات الدولية من المجيء الى المدينة الأثرية لغايات الترميم، وذلك بسبب ضعف الادارات المحلية من دعوة هذه البعثات من القدوم الى البتراء، ويذكر أن هناك عددا كبيرا من الكتب السابقة في القرن التاسع عشر، والتي تشير إلى الكثير من المعالم الأثرية من خلال تصويرها لمدينة البتراء ووضعها على اغلفة عدد من الكتب العالمية وعدد من المخطوطات الدولية التي أرّخت المدينة.
وقال إن هذه المعالم لم تعد موجودة في الوقت الراهن بسبب الكثير من العوامل الطبيعية والبشرية وبسبب التعريه والتجويه والتذريه والامطار والفيضانات والتي شكلت تهديدات أصابت المدينة ، إضافة الى الاستخدام الخاطئ للمدينة إذ ان طاقاتها الاستيعابية للسياح حوالي ثلاثة الاف سائح يوميا ومن الخطأ استقبال أكثرمن ذلك العدد.
واكد انه على الرغم من محدودية قدرات دائرة الآثار ماليا وعلميا، إلا أنه يتوجب عليها البدء فورا بمخاطبة منظمة اليونسكو ومنظمة الايسيسكو والمجلس العالمي للأثار والعديد من المنظمة المهتمة بالتراث الإنساني والجامعات، بهدف إعادة ترميم المدينة وبناء انظمة انذار مبكر تستند على وسائل تكنولوجيا حديثة متمثلة في نظم المعلومات الجغرافية وتقنيات للاستشعار عن بعد وتوفير المراقبة المستمرة لحركة الصخور و زحف التربة وضبط فيضانات الأودية بصورة شموليه بهدف توفير إدارة مثلى للموقع.
وبين اهمية تلك المستشعرات لقدرتها على المراقبة الامنية والتسجيل الصوتي ، وبخاصة اذا ما ورد اية معلومات خاطئة وغير صحيحة في المعلومات التاريخية والمسردة الى السياح.
وأشار الى ان 20% من آثار البتراء مكتشف في حين ان 80% من هذه الاثار ما تزال غير مكتشفة من تحت الرمال، وعلى امتداد الجبال المحاذية لمنطقة الخزنة، وهي نفط الأردن الذي ل ينضب .
استاذ علوم المياه في الجامعة الاردنية الدكتور الياس سلامة، يؤكد ان منطقة الشرق الاوسط ما يحدث فيها من عوامل طبيعية وتغيرات مناخية، هي ما يحدث مثلها مثل اي منطقة في العالم.
وأشار الى انه ومنذ خمس عقودالماضية حثت تغيرات مناخية، وقد تأثر بها الاردن وأدى الى نقص كمية هطول الامطار وارتفاع درجات الحرارة، ووجود امطار عاصفية شديدة وقصيرة مثلما حدث في الجنوب ومنطقة مادبا وماعين.
وأشار الى ان الجسور والعبارات والانشاءات المصممة قبل خمسين عاما لظروف معينة ، لابد من اعادة النظر فيها نتيجة لتغير الظروف والعوامل والتغيرات المناخيةـ، مبينا ان الفيضانات التي شهدتها المملكة ، نتيجة عدم تحمل البنية التحتية في عدد من مواقعها لهذه الفيضانات التي حصلت ، والتي هي مهيئة لظروف مناخية مختلفة عن وقتنا الحاضر.
وأوضح ان التوسع العمراني في المدن والقرى وزيادة تصميم الشوارع ،أدى الى زيادة كمية المياه السطحية أكثر ، ذلك ان الابنية لا تمتص المياه بعكس المناطق الزراعية، اذ تمتصها التربة .
وأضاف "نحن لانقدر ان نتصدى لاحتماليات العوامل الطبيعية ، كالزلازل مثلا ا بقوة ستة او سبعة ريختر، او التنبوء بوجود امطار غزيرة بعد مائة عام، إذ ان تصميم المنشآت وفقا لهذه الاحتمالات ستضاعف التكلفة.
وتلفت دراسات مناخية عالمية، الى التنبؤات بحدوث "ظواهر جوية متطرفة" مثل موجات الحر والفيضانات، فضلا عن "إمكانية كبيرة جدا لتكرار حالات موجات الحر الشديدة مستقبلا، دون ظهور أية نتائج مسنودة علميا حول تكرار حالات الفيضانات، لأن الأعوام التي حدثت فيها مؤخرا قليلة، ولا يمكن القياس عليها في المستقبل" إلا بالمزيد من المعلومات والبيانات".
وحسب هذه الدراسات "لا يقتصر تأثير التغير المناخي على المياه فقط، بل سيمتد الى "تهديد" التنوع الحيوي، نتيجة لشح وتناقص المياه للأنواع الحيوية وتدهور التربة، وتكرار فترات الجفاف التي تفوق احتمال النباتات، اضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة ما يؤثر سلبا على الغطاء النباتي ويدفع بالانواع الحيوية الى الانتقال إلى اماكن أقل حرارة وأكثر برودة".
ويعتبر التكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ الأولوية الأولى للدول النامية، لذلك كان لا بد من تفعيل لجنة التكيف وبلورة هيكلها وتوفير التمويل اللازم لأداء دورها بفاعلية، وضرورة مساعدة الدول النامية على تنويع اقتصادياتها لتقوية قدرتها على التصدي للآثار السلبية لتغير المناخ.
وقدرت لجنة الامم المتحدة الاجتماعية الاقتصادية لغربي آسيا "إسكوا"، خسائر الاردن من التغير المناخي بـ30 مليون دينار في 30 عاما .