زوبعة في فنجان!!
حسب وزير المالية فإن تعديلات مشروع قانون ضريبة الدخل كانت تهدف إلى تحقيق دخل إضافي للحكومة بمقدار 280 مليون دينار لكن تعديلات النواب تخفض 100 مليون من هذا العائد. ويعود ذلك اساسا إلى رفع النواب للدخل السنوي المعفى من الضريبة للأسرة من 18 ألف دينار إلى 23 ألف دينار شاملا نفقات التعليم والصحة. ويبدو أن تعديلات الأعيان التي قال طوقان إنها تمت بتفاهم مع الحكومة أرادت تعويض الحكومة لاستعادة النقص من أبواب أخرى غير دخل الأفراد المعفى فذهبت التعديلات إلى أبواب اخرى مثل الصناعة وأرباح الأسهم والأراضي والعقارات إلا ان هذا أطلق حملة غاضبة من الصناعيين ورجال الأعمال الذين قالوا إن تعديلات الأعيان تقضي على الصناعة والاستثمار.
لا أستطيع إن أتصور أن كل هذا الشد والاستنفار والتوتر الحكومي البرلماني الشعبي يدور حول 100 مليون دينار ؟! هناك شيء ما غامض في الموقف ما دام التعثر والأخطاء والهدر في الأداء العام وفي القرارات يكلف أضعاف هذا المبلغ وما دام التهرب الضريبي وحده يكلف حسب التقديرات الحكومية أكثر من 600 مليون دينار!!
كنا نقول دائما أن نسبة ضريبة الدخل من اجمالي الواردات متدنية جدا وتمثل أحد أبرز مظاهر التشوه الاقتصادي. إن الخزينة تحصل دينارا واحدا تقريبا من ضريبة الدخل مقابل خمسة دنانير من بقية الضرائب والرسوم بينما الصحيح أن تكون النسبة واحد إلى واحد وبالحد الأدنى واحد الى ثلاثة. وهذا يعني على الأقل مضاعفة واردات الخزينة من ضريبة الدخل مقابل تخفيضها من ضريبة المبيعات وبقية الضرائب والرسوم لكن كيف يمكن الوصول إلى هذه المعادلة والصراع كله يدور حول 100 مليون دينار.
الحكومة كانت محبطة جدا لأن تعديلات النواب "أفرغت القانون من مضمونه وستخل بالتزاماتها مع صندوق النقد الذي لن يرضى عن هذه النتيجة وستجد الحكومة نفسها عاجزة عن عمل موازنة العام 2019. الأعيان الذين يتفهمون الموقف لكن يعرفون ايضا أن خيار تخفيض الإعفاءات هو معركة خطيرة وخاسرة مع النواب والرأي العام، ذهبوا إلى أرباح الشركات والاسهم والعقار لتعويض النقص الناتج عن الإعفاء على دخول الفئات الدنيا والوسطى الذي قررته تعديلات النواب. وبهذا المعنى فهي تعديلات تقدمية تميل على المقتدرين، لكن تعديلات الأعيان أثارت عاصفة عند القطاع الصناعي ورجال الأعمال.
واقع الحال أن أحدا لا يحب أن يدفع بصورة صريحة ومباشرة وقانونية لكنه يترك للدولة أن تجعله يدفع ويخسر مداورة والتفافا بألف طريقة. رأيي أن الصناعيين ورجال الأعمال يخوضون معركتهم في المكان الغلط ! ما المانع ان يدفع الجميع من أرباحه حين يكون هناك فعلا ارباح مجزية وحين تحتسب بعدالة مختلف الكلف والنفقات المباشرة وغير المباشرة وأي خسائر سابقة. ما يحتاجه الصناعيون والمستثمرون هو الإعفاءات على مدخلات الانتاج والتسهيلات للاستثمار وتخفيف الأعباء والرسوم ومختلف النفقات على الصناعة والعملية الاستثمارية، يحتاجون الدعم والتسهيلات للتسويق ودعم الصادرات وتخفيض ضريبة المبيعات، وحين يتوفر كل هذا فما الغلط في دفع ضريبة حين تتحقق الأرباح. ولننظر إلى التجربة التركية الرائدة في مجال التسهيلات والدعم للانتاج والصناعة والاستثمار. وما الخطأ أيضا في فرض ضريبة على أرباح المتاجرة بالأسهم، إنها مثل المتاجرة بأي بضاعة أخرى.
اجتماع قيادة الحكومة والأعيان والنواب أمس يفترض ان يجد حلا للخلاف والوصول إلى قاسم مشترك وربما تؤدي إلى حل وسط يخفض نقص العائد الحكومي من 100 إلى 50 مليونا فيتكشف الاعصار الكبير عن زوبعة في فنجان!