اتفاقية الغاز مرة أخرى
إبان أزمة السفارة الإسرائيلية العام الماضي، حيث قتل مواطنان أردنيان واستقبل نتنياهو القاتل استقبال الأبطال، أصرت الحكومة الأردنية بعد ذلك على عدم عودة السفيرة الاسرائيلية قبل محاكمة القاتل. وقتها، وبدون إعلان رسمي، أشعرت الحكومة الاسرائيلية الأردن حسب تقارير صحفية إسرائيلية عديدة، أن إسرائيل لن تمضي قدما في مشروع البحر الأحمر-البحر الميت إن أصر الاْردن على موقفه. ولم تأخذ اسرائيل الرد الأردني بالمضي بالمشروع منفردا دون إسرائيل على محمل الجد. وها هي إسرائيل اليوم تلمح أن المشروع غير مجد وتعيد طرح مشروع قناة البحر الأبيض المتوسط-البحر الميت التي تمر ضمن أراض تسيطر عليها إسرائيل بالكامل ولا تعطي للأردن القدرة على السيطرة على أية مصادر مائية يمكن أن تأتي من خلال هذا المشروع. وبالمناسبة، هل تعلمنا الحكومة ماذا حل بمحاكمة قاتل الأردنيين، أم أن الموضوع قد طوي؟
بعد القرار الشجاع لجلالة الملك بعدم تجديد اتفاقية الباقورة والغمر، خرج وزير الزراعة في الحكومة الاسرائيلية اوري اريئيل ليهدد بقطع المياه عن الاْردن في حال تنفيذ الأردن لهذا القرار. بمعنى آخر، حين تشعر إسرائيل بأنها تتحكم ببعض مصادرنا المائية، تسمح لنفسها باستخدام التهديد بقطعها عنا كلما شعرت باتخاذنا مواقف لا تتماشى معها.
يعود بِنَا ذلك الى اتفاقية الغاز الاسرائيلي. لنفرض أن إسرائيل اقتحمت المسجد الأقصى واتخذ الأردن موقفا صارما من هذا الاقتحام، أو أنه أصبح جليا أن اسرائيل تنفذ سياسة واضحة ليس فقط لوأد حل الدولتين بل لإيجاد حل على حساب الاْردن، وبدأ الاْردن يعمل على كل المستويات الدولية لحماية نفسه، هل يخرج علينا وزير في الحكومة الاسرائيلية، أو حتى رئيس الوزراء الاسرائيلي مستقبلا، ليذكرنا بأن بعض مصادرنا من المياه والطاقة تتحكم بها إسرائيل، ويضغط علينا مباشرة وعن طريق دول أخرى، لثنينا عن حماية أنفسنا؟ هل نقاضي التوفير السنوي الضئيل من هذه الاتفاقية، وهو توفير لا نعرف بعد كيف تم تقديره، بالتهديد الوجودي لنا؟ هل نبقى خمسة عشر عاما عرضة للتهديدات الاسرائيلية ونحن نعرف أن الأمور ستزيد سوءا بيننا في الحقبة القادمة؟
حين طالب البعض في السابق، وأنا منهم، بعدم تجديد اتفاقية الباقورة والغمر، اتهمنا بعدم المسؤولية وابتغاء الشعبوية، وأننا لا نقدر الضغوط الدولية المفروضة على الأردن، حتى جاء قرار جلالة الملك الشجاع، فأثبت أن لدينا قدرة على الحركة، ولم يتكلم أحد بعد ذلك عن ضغوط دولية، بل لم نشهد مثل هذه الضغوط، وقد تصرف الأردن بمسؤولية وضمن ما تسمح به كل القوانين الدولية، بما في ذلك معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية.
ضمن كل هذه المعطيات، لا تبدو لي اتفاقية الغاز الإسرائيلي مفهومة. لماذا نعطي اسرائيل سببا إضافيا لمحاولة التحكم بقرارنا بينما تتحكم ببعض مصادرنا من الطاقة وهي لا تبدي حسن النية الآن فما بالنا مستقبلا؟ لماذا نعرض قرارنا الوجودي للخطر ونحن مقبلون على مرحلة بات واضحا فيها عدم نية اسرائيل إنهاء الاحتلال ومحاولاتها المستمرة لحل النزاع على حسابنا؟ هل نفعل ذلك من أجل مائة مليون دولار سنويا، هذا إن صحت هذه الأرقام؟ في زمن الحديث عن قانون ضريبة الدخل والتهرب الضريبي والفساد، هل حقا نحن غير قادرين على تأمين هذا المبلغ وقد بات الموضوع وجوديا وليس اقتصاديا فحسب؟
أعتقد أن الوقت قد حان لنقاش موضوعي حول الاتفاقية، ونحن مقبلون على مرحلة في غاية الصعوبة من تاريخ القضية الفلسطينية، فهل تستجيب الحكومة لذلك؟
الغد - الاربعاء 28-11-2018