هنا طبربور!
لم يخطر ببالي وأنا طالب في الجامعة الأردنية أن يأتي يوم اراجع فيه مؤسسة حكومية مقرها طبربور فقد كانت المنطقة تبدو بعيدة عن كل شيء ولم أذهب اليها الا للمشاركة في تمرين للرماية العسكرية ابان دراستنا لمساق العلوم العسكرية. اليوم أصبح لطبربور نصيبها من المؤسسات والدوائر والمرافق كما لغيرها من احياء ومناطق عمان السكنية الاخرى.
حتى نهايات القرن الماضي كان الطريق الواصل بين وسط العاصمة وبوابة الجامعة الأردنية محاطا بالمباني والمعالم التي ترمز إلى وجود الدولة الطافح وسيادتها الحاضرة في جنبات المكان. فما أن يستدير باص الجامعة من شارع صلاح الدين نحو شارع السلط حتى تتبدى معالم الدولة وسيادتها على امتداد الطريق تتبدى المؤسسات السيادية والخدمية فعلى يمين الشارع بعد تجاوز مطاعم جبري والقدس ومكاتب السياحة ودور السينما يظهر مبنى قصر العدل حيث يطبق القانون وتتحقق العدالة. وقبل أن تقطع مئات الامتار تقع عيناك على مقر البنك المركزي ووزارة المالية ودائرة الجمارك.
قبل ظهور خلدا وطبربور والكرسي كاحياء سكنية كان العبدلي وجبل عمان والحسين واللويبدة هي الأماكن التي يلتقي فيها المواطن مع الدولة. ففي العبدلي تقع وزارة الداخلية والتربية والتعليم والأشغال العامة والعمل وعلى مقربة منها يوجد مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة ومديرية الأمن العام والمخابرات العامة وليس بعيدا عن مسار شارع السط تقع وزارتا الصحة والاوقاف عند نقاط التقاء جبل الحسين بالعبدلي وفي دائرة لا يزيد قطرها على كيلومتر واحد.
في تلك الايام لم يكن المواطن بحاجة للبحث عن مواقع المؤسسات التي يحتاج لخدماتها فاذا ما اراد الحصول على شهادة أو مخطط أو البحث عن عمل فما عليه إلا التوجه إلى إحدى المؤسسات التي تقع في المثلث المحاط بشارعي السلط ووادي السير.
في عمان كانت مباني الوزارات وقيادة المؤسسات المدنية والعسكرية تتركز في مناطق العبدلي وجبل عمان واللويبدة. تركز المؤسسات السيادية في قلب العاصمة حمل رسالة مهمة للمواطن والمراجع والسائح وذكر الجميع بان الدولة حاضرة في حياة الناس ووجدانهم تسهر على راحتهم وتستجيب لنداءاتهم فهي تعرف مشكلاتهم وتلبي احتياجاتهم.
اليوم تنتشر مباني المؤسسات السيادية والخدمية على كامل مساحة العاصمة الممتدة لعشرات الكيلومترات فهناك وزارات في شرق العاصمة وغربها وشمالها وجنوبها كذلك المؤسسات العسكرية والمدنية الاخرى بعض هذه المؤسسات لها إدارات ومبان متناثرة مما يستدعي التنقل بين هذه المكونات لاستكمال إجراءات كان من الممكن وضعها تحت سقف واحد.
باستثناء وزارات المالية والعدل والتربية والتعليم والأوقاف والبلديات والتخطيط التي حافظت على مواقعها المعروفة استبدلت العشرات من المؤسسات العامة التي تحمل رمزية عالية مواقعها الظاهرة لتتخذ مباني ومقرات بعيدة عن مركز المدينة وتختفي عن انظار الناس.
النمو السكاني والخصخصة واجتهادات بعض صناع القرار كانت الاسباب الكامنة وراء التغيير الذي اصاب ملامح المدينة وغير في هويتها وروحها وتراثها.
المؤسسات ليست مجرد قوانين وموظفين واجراءات فحسب بل هي تراث وقيم وتقاليد ومكان. الكثير من المؤسسات الأردنية فقدت التقاليد والتراث الذي تشكل عبر عقود من الجهد والمثابرة والعمل الذي انجزه المئات من الرواد. في المرات التي زرت فيها بعض مؤسساتنا آلمني ما آلت اليه الأوضاع العامة لهذه المؤسسات. بعض القائمين على المؤسسات مسحوا ذاكرة المؤسسة وتراثها وتصرفوا وكأن التاريخ بدأ مع وجودهم على رأس المؤسسة. في أماكن اخرى غابت الروح عن المكان واختفت تقاليد العمل وفلسفة الخدمة.
الغد- الجمعة 30-11-2018