المجتمع المحلي ومواجهة مشكلة المخدرات
تاريخياً، لم تكن مشكلة المخدرات مشكلة أردنية بالمعنى الداخلي، ولكن كان الأردن مستهدفاً باعتباره نقطة عبور للدول المجاورة، مع وجود محدد للمتعاطين في الأردن. ولكن منذ أقل من عشر سنوات، بدأت ظاهرة المخدرات تزداد بشكل كبير، وأرقام إدارة مكافحة المخدرات، والقضايا المنظورة في محكمة أمن الدولة، التي تقدر بحوالي 15 ألف حالة حتى نهاية هذا العام، هي دليل على ذلك.
مشكلة تعاطي المخدرات والإدمان عليها، مشكلة عالمية متعددة الأسباب، وتنتشر بالمجتمعات الفقيرة والغنية على حد سواء. وهي ظاهرة جرمية في كل دول العالم، والتجارة بها والترويج لها يعدان من الجرائم المنظمة عالمياً ومحلياً.
تتداخل في هذه الظاهرة الأبعاد النفسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن الفئات الأكثر عرضة لها، هي الشباب، وبخاصة في مرحلة الانتقال من الطفولة إلى المراهقة والشباب، والأشخاص الذين يمرون بظروف صعبة سواء أكانت نفسية أم اقتصادية، وغيرها من الأسباب. ولذلك، فإن فئة الشباب هي من أكثر الفئات استهدافاً من قِبل المروجين وتجارالمخدرات. وعليه، تزداد احتمالية تعرضهم للتعاطي.
جهود مكافحة المخدرات، تجارةً وترويجاً وتعاطيا، تقوم بها بكل جدارة وكفاءة الأجهزة الأمنية المختلفة، وعلى رأسها إدارة مكافحة المخدرات، وتحبط يومياً عشرات المحاولات، وقدمت كوكبة من الشهداء في محاربتها لهذه الظاهرة.
الحكومات المتعاقبة قدمت، ومازالت، تقدم كل الدعم لإدارة مكافحة المخدرات، وهي تستحق مزيداً من الدعم. ولكن تزداد صعوبة القضاء على هذه الآفة بسبب الظروف الإقليمية والحروب الأهلية، والتزاوج بين تجارة المخدرات والحركات المتطرفة من جانب، وزيادة الطلب على هذه السلعة من جانب آخر. وهنا يبرز ضعف الحكومة في تعاملها مع هذا الجانب، إذ لا يمكن أن نتوقع من إدارة مكافحة المخدرات القيام بواجب الحكومة في الجوانب المرتبطة بالأمور الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها البلاد.
لا توجد للحكومات المتعاقبة استراتيجية واضحة في الأبعاد التربوية والصحية والاجتماعية، إذ لا بد من أن تكون هناك خطة حكومية متكاملة تشمل المكافحة، وهو الجانب الذي تقوم به إدارة و مكافحة المخدرات، ولكن يجب أن تشمل الاستراتيجية الأبعاد: التربوية والتعليمية والصحية، وهذا الأمر هو الأضعف حالياً إن لم يكن غائباً كلياً.
الخطوة الأولى في تطوير استراتيجية وطنية لمكافحة المخدرات، هي إجراء دراسة وطنية على هذه الظاهرة، ليس فقط لمعرفة مدى انتشارها، وإنما أيضاً للوقوف على أماكن انتشارها، وخصائص المتعاطين، وأنواع المواد التي يتم تعاطيها.
إن غياب رؤية متكاملة للتصدي لهذه الظاهرة يضعف أيضاً دور مؤسسات المجتمع المدني والمجتمعات المحلية، التي تعتبر ركيزة أساسية في مكافحتها.
فلا بد للمجتمعات المحلية من أن تقوم بدورها للتصدي لهذه المشكلة من خلال تحالفات بين المؤسسات الرسمية، كالبلديات والمدارس والمراكز الصحية ومؤسسات المجتمع المدني في هذه المناطق، لعلها تكون أقدر على التعامل مع هذه الظاهرة، وتطوير الأساليب الكفيلة بتوجيه شبابنا وشاباتنا من هذه الآفة الخطرة. ولكن هذا لا يأتي إلا بمبادرة من هذه المجتمعات كتلك التي يجري التحضير لها في لواء ماحص والفحيص، التي نأمل أن تكون تجربة يمكن البناء عليها وتعميمها.
الغد - الخميس 6-12-2018