عندما يقفز "أبو عصام " من باب الحارة الى صلاح الدين الايوبي
من فضائل الثورة السورية أنها ثورة كاشفة ، فاضحة ، عرت كل مدعي الوطنية والعروبة بمهب ريح عاتية ، ونشرتهم مثل غسيلهم على رؤوس الاشهاد.
للإستهلال أعلاه سبب وجيه ، وهو تعرض القائد الناصر صلاح الدين الايوبي هذا الاوان لهجمة شرسة غير مسبوقة .
وفي كل الأحوال ، فإنه ليس غريبا أن يتعرض قائد مثل صلاح الدين (532 - 589 هـ / 1138 - 1193 م ) لهذه الحملات المتطرفة التي نشهدها هذه الايام ، سواء على لسان معممين من الاثني عشرية ، او من فنانين على مذهبهم او نصيريين من غلاتهم أوهمونا بأنهم عروبيون وقبضايات ، كما حدث مع بطل باب الحارة " ابو عصام " الذي اثبت طائفيته الحادة وحقده الدفين على تاريخ السنة وابطالهم وخلفائهم وامهات مؤمنيهم .
الفنان المذكور ، وبعد أن أطلق تصريحاته الشهيرة ضد عمر بن الخطاب ، إبان عرض مسلسل عمر ، عاد قبل ايام وخلال حديث إذاعي ليطعن بقائد اسلامي آخر تفتخر به الأمة وهو الناصر صلاح الدين الايوبي ، هذا القائد العظيم ، محرر القدس ، وبطل حطين ، زاعما بأن تاريخ صلاح الدين ليس سوى كذبة ، وبأنه لم يحرر القدس ولا ما يحزنون .
كنا نعتقد بأن القبضاي " ابو عصام " فنان مثقف ، مطل على ما كتبه الغرب وما هو مخزن ومؤرشف في المراجع الكنسية والتاريخية والمتاحف الغربية عن صلاح الدين وما أطره المؤرخون عن هذه الشخصية الفذة التي حظيت باحترام اعدائها ـ حتى أنه روي عن ريتشارد قلب الأسد وصفه صلاح الدين بأنه من اعظم الشخصيات الاسلامية التي عرفها أو سمع بها ، رغم أوضاع السلطنة الأيوبية حينها وحالات الكر والفر التي شهدتها الجيوش الأيوبية بفعل مؤثرات موضوعية داخلية وخارجية كما يحدث مع كل الدول وكل الجيوش ، وقد جاء ذلك المديح لحسن خلق هذا القائد المسلم وسيرته وتسامحه وسعة صدره ، ويكفي ما أثبتته المراجع المكتوبة بلسان غير عربي عن شهامته عقب فتح القدس رغم أنهار الدماء التي أسالها الصليبيون الغزاة قبل قرن من تحريرها وهو ما ينكره هذا القبضاي المؤيد للنظام الدموي في دمشق ضد شعبه وابناء وطنه .
ابو عصام ، الفنان ، هو غيره ابو عصام السياسي المتعصب ، ولا أريد أن أنكأ جراحا بفتحي بابا أكره فتحه ، إلا أن أمثال هؤلاء هم من يقرعون هذه الابواب ، ولهذا فإنه لا بد مما ليس منه بد ، وذلك لتعرية كل طائفي ذميم يتطاول على رموز الامة وخاصة من قبل أولئك الذين لا يشكلون بمجملهم سوى بضعة ملايين من مليار و800 مليون سني .
وبالرجوع ولو سريعا الى اسباب هذا الحقد التاريخي من قبل الشيعة عموما ، ومن قبل النصيريين بالذات على هذا البطل الفذ ، فإن القاصي والداني يعلم بأنه يعود لكون صلاح الدين قد قضى على الدولة الفاطمية ، ويكفي هذا سببا وحيدا وهو غير وحيد بالتأكيد ليكون كره هؤلاء لهذا البطل عميقا وغائرا في الجينات ،أما سبب حقد النصيريين فيضاف الى ذلك بدوافع " شخصية " أخرى ، وهي أن صلاح الدين قاتل هؤلاء في جبالهم وكان من ضمن أهدافه القضاء عليهم بعد مؤامراتهم التي لم تنقطع يوما من الايام طوال حربه لتوحيد الشام ومصر والحجاز واليمن ومن ثم أجزاء من بلاد الرافدين .
وإذا كان هؤلا ء قد كتبوا على الجدران " بشار الاسد أو نحرق البلد " فإنهم انطلقوا بهذا من نظرتهم لعائلة الاسد من وجهة نظر عقدية ، حتى أن بعض الموغلين في المذهب من الدارسين قالوا بأنه ليس على أهل السنة استغراب طلب جنود النظام من الشباب قول : " لا اله الا بشار " لأن هذا الطلب لم يأت من باب المماحكة ، بل من باب قناعة هؤلاء بأن بشار هو فعلا أله بحكم ايمان اكثرهم الجازم بالتناسخ والاحلال ، ونحن هنا نستثني مثقفي الشيعة والعلويين الأحرار العروبيين الغيارى على الأمة وعلى مصيرها ومستقبلها ، وهؤلاء نقدرهم ونحترمهم ، وإذا ما تحدثنا عن الشيعة والعلويين منتقدين فإننا لا نتحدث إلا عن المتعصبين منهم والخونة الساعين لتسليم كل المنطقة لملالي ايران .
وايا كان الامر ، فإن النفوذ الايراني الحالي في عدة عواصم عربية ، ومؤامرات العالم أجمع على أهل السنة وتمكن ملالي طهران وآلهة سوريا وأتباعهم من اولاد الحوثي وعبيد خامنئي في لبنان من فرض وجودهم بالقتل والتخريب والتدمير .. نقول : إن هذا النفوذ الايراني ليس بإمكانه تغييب الحقيقة التاريخية التي نعود للتذكير بها بكل فخر ، وهي أن السلطان صلاح الدين قضى على حكم الفاطميين الشيعة في مصر والشام والمنطقة كلها وأعاد اليها المذهب السني بعد أن حكمها هؤلاء ما يقرب من 260 عاما .
وإذا كان الغرب وكتبة التاريخ فيه في القرون الوسطى أنصفوا صلاح الدين ونعتوه بأفضل الصفات والسمات ، فإنه لا يضير هذه القامة السنية التاريخية المظفرة التي ولدت في تكريت " تكريت ما غيرها التي يكرهها ملالي طهران ".. لا يضيرها أن يخرج مجرد معمم أو ممثل ويجدف عليها وينكر أمجادها لمجرد أنها شخصية سنية لها احترامها ومكانتها الراسخة لدى الامة بأسرها .
وإذا كان ابو عصام أنكر تحرير صلاح الدين للقدس ، والتي دخلها في 27 من شهر رجب في ليلة المعراج من عام 583 هـ ، الموافق لـ 2 من اكتوبر تشرين أول من عام 1187 فماذا يقول عن الجنرال الفرنسي هنري غورو عقب معركة ميسلون ( 34 يوليو - تموز من عام 1920 ) أم أن حكاية الجنرال الفرنسي مزورة ايضا ، حيث أثبتت كل المراجع بما فيها الفرنسية منها بأن غورو ذهب الى قبر صلاح الدين في دمشق وخاطب القبر قائلا : " ها قد عدنا يا صلاح الدين " ..
إنها الثورة السورية ، الفاضحة الكاشفة لامثال هؤلاء القبضايات الطائفيين الغلاة، من أمثال صاحبنا ومن هم على شاكلته .
د.فطين البداد
جي بي سي نيوز