الحكومات بين مطرقة الرأسمال وسندان الشعوب
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، أصبح النظام الرأسمالي من دون منافس، وأعلن بعض المنظرين ( فوكوياما) بأن هذا الانتصار الكبير للرأسمالية كان بمنزلة نهاية التاريخ. بعد انهيار الاشتراكية، تسارعت وتيرة العولمة الاقتصادية، واضطرت غالبية دول العالم الى اتخاذ إجراءات اقتصادية تصب في اتجاه التحوّل الرأسمالي، وإزالة كافة العقبات والإجراءات المعيقة لانتشار الأنشطة الاقتصادية الرأسمالية.
هذا التحوّل لم تتأثر به دول العالم الثالث، بل طال الدول المتقدمة اقتصادياً كأوروبا وغيرها من الدول، وبخاصة تلك الدول التي كان فها للدولة دور اقتصادي، كملكية بعض المنشآت الصناعية الاستراتيجية، أو الدول التي تمتلك سياسات سخية مع العمال، وتتمتع بأنظمة اجتماعية متقدمة.
لقد انفلت النظام الرأسمالي من عقاله، وامتد بنشاط الشركات والبترول العالمية بطريقة غير مسبوقة في جميع بقاع الأرض.
هذا الوضع أدى إلى حدوث أزمات اقتصادية متتالية لم تفلت منها دول أوروبا، مثل إيطاليا وإسبانيا واليونان وأوروبا الوسطى، التي اضطرت كلها لاتخاذ إجراءات اقتصادية تقشفية طالت ليس فقط الطبقات الفقيرة والعمال، وإنما أيضاً الطبقة الوسطى. ولم تسلم الولايات المتحدة من عواقب تلك العولمة بسبب انتقال المصانع والشركات الكبرى خارج الولايات المتحدة، وأثر ذلك في العمالة والتوظيف.
تأثر الدول بالعولمة كان وما يزال الأقسى على دول العالم الثالث أو الدول النامية والفقيرة، التي اضطرت للتحوّل للنظام الرأسمالي من خلال عمليات الخصخصة والدخول في منظمة التجارة العالمية(WTO)، وضاعف من العواقب على هذه الدول غياب الديمقراطية وانتشار الفساد في عمليات الخصخصة في أغلب تلك الدول، الذي كانت آثاره السلبية كبيرة، وبخاصة على ارتفاع معدلات البطالة وازدياد العجز في موازنات الدول، إضافةً لتراكم الديون.
الحكومات اليوم في أغلب الدول تضطر لاتخاذ إجراءات اقتصادية تقشفية مثل: زيادة الضرائب، وزيادة سن التقاعد، وتخفيف الامتيازات العالمية.
هذه الإجراءات التقشفية تضع الحكومات في مواجهة شعوبها، التي من المفترض أنها تعمل لصالح تلك الشعوب، ولكن الطرق الأقوى في المعادلة هو الرأسمال الذي يضغط بدوره على الحكومات للحصول على امتيازات أكثر من تلك الحكومات.
هذه الأزمات الاقتصادية المزمنة أدت، وتؤدي، الى احتجاجات وتظاهرات سياسية كبيرة، وما يحدث في فرنسا اليوم وتونس والأردن سوى شواهد ماثلة على ذلك، التي تقف الحكومات عاجزة عن عمل الكثير حيالها.
أزمة الحكومات اليوم سياسية جذورها اقتصادية تتراجع قدرة الحكومات على الاستجابة لمتطلبات شعوبها بسبب هيمنة الرأسمال والمؤسسات المالية العالمية كصندوق النقد الدولي، وتتراجع مع ذلك ثقة المواطنين بالحكومات، إذ تعبر من أزمة الى أخرى.
الغد - الجمعة 14-12-2018