سوق عمان المالي (البورصة)
في أحسن أيامها، العام 2008، حققت البورصة أرقاماً عالية، حيث وصل التبادل للأسهم فيها خلال يوم واحد بين (60-80) مليون دينار. وبأسعار تلك الفترة، بلغت قيمة أسهم الشركات التي تتداول أسهمها حوالي (45) مليار دينار. وبعد انهيار السوق العالمية في نيويورك وباقي عواصم المال في العالم، هبطت قيمة الأسهم إلى (25) مليار دينار. ومنذ ذلك الحين، والبورصة تتذبذب الأرقام القياسية للأسعار فيها، ولكنها مالت للهبوط.
وفي هذا العام، حققت البورصة ارتفاعاً حيث قفز الرقم القياسي من حوالي (2000) نقطة إلى (2280) نقطة. وحصل تفاؤل بأن السوق في طريقها إلى التعافي. ولكنها لم تفعل، بل بدأت في الهبوط تدريجياً حتى جاء خبر مشروع قانون ضريبة الدخل، والذي ألغى الإعفاءات الممنوحة على الأرباح الموزعة على المساهمين وهي أرباح صافية دفعت ضريبة الأرباح على الشركة قبل توزيع صافي الأرباح. وهذا جعل دخل المساهم في أي شركة مساهمة عامة خاضعاً لضريبتين بدلاً من ضريبة واحدة. وهذا اسمه ازدواج ضريبي.
والأمر الثاني أن مشروع القانون ألغى الإعفاء على أرباح المضاربة بالأسهم. ولما ذهب مشروع القانون إلى لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب، أصرت اللجنة على الغاء الازدواج الضريبي، وإبقاء الضريبة على أرباح المضاربة. ولما سمع المستثمرون وحملة الأسهم الكبار والصغار والوسطاء بهذا الأمر تبدلت توقعاتهم، وبخاصة الصناديق الأجنبية وغير المقيمين من الأردنيين وغيرهم إلى بيع ما لديهم. فهبط مؤشر السوق إلى حوالي (1800) محققاً خسائر في مبادلات خمسة أيام بلغت مليار دينار أردني.
وبسبب الاحتجاجات والخشية من انهيار السوق، قامت الحكومة بالاستجابة، وأرسل مدير ضريبة الدخل معلومات تسعى لتخفيف وطأة الضريبة. ولما شاعت الأخبار أن لقاء سوف يعقد برئاسة رئيس هيئة الاوراق المالية بحضور مدير ضريبة الدخل وممثلين عن بورصة عمان، ومركز الإيداع، والوسطاء، والمستثمرين عاد السوق إلى الارتفاع ليومين بمعدل نصف واحد بالمائة. ولكن المزعج أن الصناديق الأجنبية كانت تبيع أسهمها أو تحولها إلى صناديق فرعية تمهيداً لبيعها، أو عرض أسهم الشركات ذات الأسهم المنخفضة لشراء أسهم في شركات البنوك والشركات الكبرى. وهذه كلها إشارات غير مطمئنة.
وقد تبين أن التعليمات التي أرسلها مدير الضريبة قد صيغت بلغة لا تفي بالغرض، وهي على الأرجح مترجمة عن لغة أجنبية. ولا ألوم مدير الضريبة، فالرجل ليس خبيراً بأمور السوق، وليس هنالك من طريقة لتطبيق القانون إلا بفرض نسبة ما على المتاجرة، ترسل لحساب الخزينة على أساس يومي، وتؤدي إلى اقل الأضرار بالسوق.
وقد بذلت الناطقة الإعلامية للحكومة جهداً مشكوراً لشرح الموضوع للناس كرست معظمه للحديث خارج موضوع البحث. وهي أكدت أن الضريبة على ارباح الأسهم الموزعة قد ألغيت، وبقيت الأرباح على المضاربة في الأسهم. وشرحت نقطة مهمة وهي أن هنالك تمييزا بين ربح المضاربة (إذا اشتُرِيَ السهم وبيع خلال مدة أقل من سنة)، والربح الرأسمالي الناجم عن حمل السهم مدة سنة أو أكثر.
لا أريد أن ادخل القارئ في تعقيدات التطبيق، ولا بإمكانات التهرب المفتوحة على مصراعيها مما سيربك عمل دائرة الضريبة وكل أصحاب العلاقة، ولا بالتنبؤ أن الخزينة لن تحقق الـ (12) مليون دينار المتوقعة عام (2019) من هذه الضريبة، ولكن أريد أن أسأل سؤالاً بسيطاً. ماذا لو أن كل من اشترى سهماً احتفظ به لمدة سنة أو أكثر فماذا سيكون حجم التعامل بالسوق؟ سيهبط إلى الربع على أكثر الاحتمالات تفاؤلاً. وهذا يعني أن الإيرادات من دخل الحكومة على المضاربة لن يكفي لتغطية نفقات هيئة الأوراق المالية، ومركز الإيداع وبورصة عمان وهي جميعاً تُرسل وفورات كل سنة بعد أن تغطي كامل تكاليفها، الآن ستضطر الموازنة إلى دفع تكاليف إضافية لهذه المؤسسات والتي ستفوق (5) ملايين دينار سنوياً.
فأي منطق هذا الذي تبنّاه المتحمسون لهذه الضريبة. أما أثرها فهو تراجع التعامل في السوق وتأثيره السلبي على مناخ الاستثمار، وتأثيره على سعر سهم البورصة متى ما طُرِحَت للأسواق فهذا أمرٌ آخر.
ومن هنا نقول أن الحكومة يجب أن تعيد الإعفاء الضريبي على المضاربة، أو أن ترضى بمقترح فرض رسم واضح على المعاملات داخل السوق بدلاً من التعليمات غير المجدية التي أرسلتها.
وبعد اجتماع عُقد يوم الأحد الماضي مع لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب بحضور وزير المالية ومدير ضريبة الدخل ونفر كبير من المتعاملين في البورصة، وعد وزير المالية بالإجابة على مقترح فرض ضريبة بنسبة محددة على المعاملات في السوق بدلاً من التعقيدات الضريبية حتى يوم غد( الأربعاء).
الغد - الاربعاء 19-12-2018