ميلاد المسيح: كحضن دافئ هو الاردن
المدينة نيوز- سليمان قبيلات و وفاء زيناتية - : تقف مجموعة من رجال عشائر المعايطة والبقاعين والمدانات في باحة كنيسة الروم في بلد "أدر" بالكرك، يتقبلون العزاء بمتوفى عزيز، في حالة شعبية مشبعة بدلالات عميقة تحفر في النسيج الاجتماعي، وهو ما يوصف بالمتصل التراثي القادم عبر القرون.
حال "أدر" الكركية تتكثف في الموروث الاردني العابر للجغرافيا شمالا وجنوبا ووسطا، الامر الذي تسنده سياسة رسمية اتسمت على الدوام بصفتها مظلة وطنية جامعة.
الواقع الاجتماعي الاردني انتج ثقافة هاضمة للتنوع الذي اصبح مصدر اغناء وتعزيز للبنى الاجتماعية التي تستلهم موروثا زاخرا من القيم العربية الاسلامية، التي أصّلت بدورها معنى الوجود الانساني، وهو ما يؤكده متتبعون لتاريخ المشرق العربي.
هؤلاء يرون أن وحدة الاردنيين واهل الشام والعرب عموما، معمدة بالدم الذي افتدى الامة في معاركها ضد العدوان والاحتلال الاجنبي، لافتين الى ان قوائم الشهداء الاردنيين والعرب تضم اسماء كثيرة من المسيحيين، اضافة الى سلسلة التنويريين الذين خاضوا سجالات فكرية وصراعات سياسية لصالح الامة عبر التاريخ. وثائق حرب الايام الستة 1967، تظهر ان الشهيد سالم سليمان نمر بطارسة من جرش، كان احد ثمانية شهداء سقطوا في منطقة اليامون قرب جنين، فقام أهل البلدة على عجل بنقل رفات الشهداء الى كهف مجاور، وبعد الحرب قاموا بنقلهم إلى مقبرة البلدة، ليكتشفوا لاحقا ان الهوية المعدنية تظهر اسم الشهيد البطارسة الذي لا يزال يرقد مع إخوانه الشهداء الاخرين. ومن بين الشهداء الاردنيين المسيحيين على ارض فلسطين، جريس عيسى جريس الهلسة، وسلامة سليم إبراهيم المصاروة، و حنا خليل سلامة، وحنا عيسى سالم، و فائق عودة حدادين، و باسيل بشارة سالم عيسى، و انطون جريس سالم، و احسان عبد عيد قاقيش، و سليم جريس عبدالله صوالحة، و ابراهيم عايد غطاس النبر، و جريس يعقوب سعد عميش، و نورس جريس سلامة اليعقوب، و صليبا خليل الترزي، و توما سلامة خليل حجازين، و سالم سليمان نمر البطارسة، و ابراهيم جريس الياس، و سابا عيسى عودة، و خليل عبد سلمان زريقات، و برجس خليل حداد، و ميخائيل سالم خليل العكشة، و فرحان سليم حنا أبو سحلية، و سعد سليم أيوب نصرالله، و أيوب فريج قندح، و جريس سلامة حنا مدانات، و رمزي خليل صالح هلسة، و عدنان موسى هلال اندراوس، و عازر يوسف اشتيوي الخوري، و خلف سليم عيد حداد، و خالد فريد عايد الفاخوري، وأيمن روفائيل عودة حجازين، و ايوب يوسف خلف السمير، و يزن بسام حنا عرنكي، وسميح صالح الحدادين.
في مؤلفه "موسوعة الديار الأردنية" يورد الدكتور محمد عبده حتاملة، حادثة المهداوي وأهل الفحيص، التي جسدت فيها قبيلة "العدوان" انحيازا عميقا للمروءة، ليجري انقاذ ابنة خوري بلدة الفحيص في اواخر القرن السابع عشر الميلادي من زواج قسري كان ابن المهداوي يسعى اليه.
المتخصص في التراث والعمل الاجتماعي، الدكتور مازن مرجي، يقول: ما تحفظه الذاكرة الشعبية الاردنية يشير إلى أن أحد رجالات عشيرة الشريدة، مُنح في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وسام "القبر المقدس" من بابا الفاتيكان، تقديرا لجهوده وتكريما له في حماية ورعاية الطوائف والعشائر المسيحية، وحماية طريق الحج المسيحي للأماكن الدينية في المنطقة.
ويضيف أن هذه الذاكرة تحفظ كيف كانت النساء المسيحيات والمسلمات يقدمن النذور ليحفظ الله لهنّ أبناءهن من المرض أو الموت، أو ليرزقهن الله بالأبناء.
رئيس بلدية الفحيص المهندس جمال حتر يتفق مع الدكتور مرجي، في أن الاحتفال في عيد الميلاد في الأردن في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين كان يقتصر على الشعائر الدينية من صلوات وترانيم، دون اجواء احتفالية برموز الميلاد كما هو الحال اليوم.
حتر، يستعيد ذاكرة احتفالات عيد الميلاد في الأردن منذ بدايات القرن العشرين، فيوضح أن الطابع الديني البحت كان يشكل هوية الاحتفالات، اذ ان الأجواء التي تسبق عيد الميلاد حسب التقويمين الغربي (25 كانون الأول) أو الشرقي ( 7 كانون الثاني)، كانت وما تزال عبارة عن صلوات تتم على مدى 9 أيام متتالية، تسمى (تساعيات عيد الميلاد)، لتحضير الناس روحيا لاستقبال أعياد الميلاد.
ويتابع حتر، أن رموز الميلاد كانت تقتصر قديما على الكنائس، موضحا أن المغارة رمز اساس في الاحتفال، بينما قد تكون الشجرة بدأت الظهور في بيوت العائلات المسيحية الاردنية مع بدايات أربعينيات القرن الماضي، وكان يتم عملها وفق مخليتهم والإمكانات البسيطة المتاحة لديهم.
الأب رومانوس سماوي راعي كنيسة الروم الأرثذوكس – الفحيص، يقول : الميلاد هو كمال محبة الله للبشر، وتجسيد فعلي لها، كما أنه الخلاص من الخطيئة، حيث بعث الله عيسى عليه السلام (المسيح) ليخلص العالم من الخطيئة وينقله من الموت إلى الحياة الأبدية، وولادة المسيح بالنسبة إلى المسيحيين هي بداية أو رأس هذا الخلاص.
المعلمة المتقاعدة منى جورج حتر (أم موسى) تقول: على الرغم من التغير والتطور والتعقيد الذي يشهده عالم اليوم، وانتشار المظاهر الاحتفالية بعيد الميلاد، وهو جو يضفي مزيدا من البهجة والفرح، إلاّ أن روح عيد الميلاد تبقى كما هي؛ فالعيد الذي يتكرر كل عام، يأتي ليجدد في نفوسنا رسالة العطاء والمحبة والغفران بين الناس، خاصة الضعفاء والفقراء والمحتاجين منهم.
أم موسى تستعيد ذاكرة الطفولة، خصوصا تلك الصورة التي تفيض بالدفء والقرب، فتقول: في أيام التحضير التي تسبق عيد الميلاد كان جيراننا المسلمون ينضمون الينا لمساعدتنا في اعداد كعك العيد، وكذلك نفعل معهم في عيد الفطر. وتتابع: هكذا اتذكر أجواء العيد، أجواء ألفة وأخوة ومحبة وتسامح.