ملح الأرض.. كل عام وأنتم بخير
نحبكم.. نعم نحبكم… فأنتم ملح الارض.. أنتم سنديانتها وأصلها الذي لا يمكن نسيانه، أنتم اهلنا الذين أحببناهم، سكنا معا والسكن من السكينة، وعشنا معا، وما زلنا نتقاسم لقمة الخبز معا حتى نهاية الكون، فلكم أنتم ولنا ايضا نقول: كل عام وانتم بالف خير، كل عام والمحبة تجمعنا لنعيش سويا جمال أعياد الميلاد ورأس السنة، ونحتفل سويا بعيد ميلاد السيد المسيح، فلا فرق بيننا وبينكم، فالعيد والميلاد لنا ولكم.
اختار السيد المسيح كما كل الأنبياء طريق السلام، فهو لم ير في العنف طريقا للتغيير، لأن العنف لا يمكن أن يكسب ولاء القلوب، وهو ما يحتاجه العالم اليوم، تسامحا ومحبة تقف في وجه ثقافة داعش الإرهابية وفِي وجه ثقافة ترامب العنصرية المنحازة، فنحن بحاجة لنشر ثقافة التسامح والحب، ونبذ الضغينة والتعصب، فبدون تسامح ومحبة سيبقى العالم يرزح في بحيرات دم وقتل عبثي همجي، وتطرف وعنصرية وخطابات مقيتة.
قال السيد المسيح لتلاميذه “أنتم ملح الارض ولكن إن فسد الملح فبماذا يملّح؟! لا يصلح بعد لشيء إلا لأن يُطرح خارجًا ويُداس من الناس” (متى 5: 13)، فيا ايها الاحبة.. فيا ملحنا الذي سكن ارضنا قبل آلاف السنين، والذي لا يمكن الاستغناء عنه، يا من سبقتونا للارض بقرون، ولحقنا بكم بعد ستة قرون فعشنا معاً على هذه الأرض (بلاد الشام) والتي أضحت، نموذجا ناجحاً للتعايش بين المسيحية والاسلام، فكل عام وأنتم بخير بميلاد السيد المسيح.
عندما غدرت الصهيونية بجزء من الأرض وأهلها، فاحتلت فلسطين، لإقامة دولة عنصرية معادية لأهلها الأصليين، مسيحيين ومسلمين، وقتها وقف الجميع كتفا بكتف ويدا بيد ودم يختلط بدم لقتال الكيان الهجين، فتوحد الجميع دفاعا عن الارض لا يسأل المناضل زميله في النضال عن دينه أو جنسيته.
أذكر ايام الصبا عندما كنت في سن العاشرة ويزيد، كان طريق مدرستنا من جبل النظيف للاشرفية يمر بمنطقة يطلق عليها حي الأرمن، وكم كان مفرحا بالنسبة لي وأنا اشاهد أشجار الميلاد عبر البيوت تتزين فرحا بالعيد، قد لا أكون وقتها أعرف كثيرا وأنا ابن العاشرة عن معنى الشجرة ورمزيتها وديمومة الأمل فيها، ولكني كنت أعرف أن في القرآن الكريم ورد (وهزّي اليك بجذع النخلة تتساقط عليك رطبا جنيا)، وكم كنت أسعد وأنا اعبر طلوع جبل النظيف حيث يقطن جيران مسيحيون كثر وأنا أشاهد طرق الاحتفال والود الظاهر في العيون التي ترى في السيد المسيح مخلصا للبشرية جميعا من طاعون الشر الذي سيسكن العالم، لذلك كله، تشكلت لدي قناعة أن لا فرق بيننا فتوحدنا معا، وتسامحنا وتصالحنا معا، وارتضينا أن نكون سويا على الدوام لا فرق بيننا ولا نقض لعهود.
فيا أيها الملح الذي لا نريده أن ينضب لا تتركوا الأرض، فالأرض أرضكم وأرضنا، ولكم فيها مثل ما لنا وربما أكثر، لا تغادروا الشرق فالشرق بحاجة لكم، بحاجة للتنوع الحضاري والديني والفكري، لا تتركونا وحدنا نواجه الظلام والطغيان والافكار المنحرفة، دعونا نقف معا وسويا في وجه كل من يريد تشويه حاضرنا ومستقبلنا، فمستقبلكم مستقبلنا وحاضركم حاضرنا وسويا يمكن لنا أن نبني وطنا حرا، وأن نصل لشعب سعيد، وسويا يمكن أن نبني أردنا وطنيا ديمقراطيا يتسع للجميع كما هو دائما، وسويا نستطيع الدفاع عن القيامة والمهد من تطرف الصهاينة.
فيا اولئك الذين تريدون وضع حدود بيني وبين جاري المسيحي لا عشتم ولا كنتم ولا كانت آراؤكم السوداوية المشوهة، فأنتم لا تمثلون إلا أنفسكم أما نحن جميعا فإننا نمثل الجميع مسلمين ومسيحيين، ونريد أن نعيش معا نحتفل معا بعيد الميلاد، ونسلم ونهنئ بعضنا البعض بالميلاد فكل عام سادتي وانتم بالف خير، كل عام وكنيسة القيامة بخير، كل عام ومهدنا وبيت لحم بألف خير، فكل عام وانتم بخير، كل عام ونحن بخير بوجودكم بيننا.
الغد - الاثنين 24-12-2018