الصحة الحكومية توقظ شهوة النقد لدى الاف المراجعين
المدينة نيوز-بشرى نيروخ وحازم عكروش وبركات الزيود ومازن النعيمي- يقضي كركي خمسيني وزوجته وطفلهما ذو السنوات العشر ليلتهم في السيارة جوار مستشفى الجامعة الاردنية، ليفوز الطفل بصورة طبقية تستدعيها حالته الصحية، اذ لا يوجد في محافظة الكرك مثل هذا الجهاز.
في غور الصافي المشهور بفقره، يحمل بعض الفقراء بطاقة تأمين صحي، لكنها لم تشفع لشاب باسمال بالية مسافة طويلة، ليصل المركز الطبي في الساعة الحادية عشرة، إلا أن الطبيب المتخصص لم يكن موجودا، فالبرنامج الاسبوعي يلزمه بالدوام يومين فقط.
أما في الشونة الجنوبية، فتكاد عيادات الاطباء في مركز الرامة الصِّحي تخلو منهم، فهم يتسامرون في مجموعات في أحد المكاتب، أو تحت اشعة الشمس الدافئة، غير عابئين بالمرضى المنتظرين. أبرز ما يلفت الانتباه في المكان، تهالك أرضيته وتكسّر وحدات الدرج فيه، وصدأ وعفونة غزت بعض جدرانه.
ففي الشونة الجنوبي ادعت مندوبة وكالة الانباء الاردنية(بترا) بانها تعاني من دوار في الرأس، فاستقبلها موظف نادى بدوره على الممرضة لقياس ضغطها، فتم تشخيص الضغط بانه مرتفع نسبيا، وبعد ان خرجت الى مركز صحي في المنطقة ابلغوها بان الضغط طبيعي، وكل ذلك تم دون فتح ملف طبي.
في العيادة ذاتها، ظهر الطبيب بعد تلكؤ وهو لا يحمل أي بطاقة تعريفية، فبادر بأسئلة لا علاقة لها بالمرض، مثل سبب زيارة المندوبة للشونة ورأيها بالمواصلات، إلى أن وصل للحديث عن شكواها المرضية، فطلب اليها إجراء تحاليل مخبرية لا يمكن اجراؤها الا يومي الأحد والأربعاء.
وزارة الصحة وصفت عبارة "التشخيص الخاطئ" بانها تعبير غير دقيق وغير واقعي، وأن من يقوم بتشخيص الأمراض وعلاجها هم اطباء واطباء اختصاص، واذ ما كان هناك حاجة الى تشخيص متقدم لا تتوفر سبله في المستشفى وهو أمر معروف عالميا فيتم تحويل المرضى الى المستشفيات التحويلية التي تتوفر فيها سبل التشخيص والعلاج المتقدم.
"سلطان علي" كان يراجع مستشفى الشونة الجنوبية الحاصل على الاعتمادية قال، إن المستشفى يفتقر لتخصصات العظام والاسنان والعيون والعلاج الطبيعي، وما يزيد الطين بِلّةً هو تحويل بعض مراجعي المراكز الصحية القريبة الى مستشفيي الشونة والسلط.
تتفاقم المعاناة في قسم طوارئ الشونة الذي يخلو من المسعفين والموظفين والصيادلة، فلا توجد سوى ممرضة واحدة كانت "فضّة" في تعاملها مع المراجعين حسب قولهم. أما عيادات الاختصاص في المستشفى، فيقول موظف إنها لا تستقبل المرضى الا في ايام محددة، وكانت لافتة طوابير المراجعين الطويلة، وروت إحدى المراجعات إنها لن تحظى بالدخول الى الطبيب لأن الدوام شارف على الانتهاء، رغم مجيئها باكرا.
على بوابة مركز الروضة الصحي، ملصقات إعلانية عن دروس خصوصية وبيوت للإيجار، بينما كان باب الطوارئ مغلقا بوجه المراجعين، وهناك كرسي متهالك للإنتظار، والمراجعون باختلاف أعمارهم يتكدسون قرب باب غرفة الطبيب، بانتظار الدخول.
بائع متجول على باب المركز قال إن المركز يفتح أبوابه الساعة التاسعة صباحا ويغلق في الثانية عشرة ظهرًا، مشيرا إلى أنه لا يستقبل سوى حالات الرشح والزكام، وعند سؤاله عن الاطباء قال: "طاشين". تشكو مراجعة رفقة طفلها المريض أن الطبيب لم يقم بفحصه أصلا على الرغم من انه وصف لها العلاج لكنه غير متوفر في المركز لتضطر لشرائه من الخارج.
الناطق الإعلامي باسم وزارة الصحة حاتم الأزرعي علق على الرقابة على كوادرها بأن الوزارة تقوم بدورها على هذا الصعيد واذا ما كانت هنالك مخالفات للقوانين والانظمة فإنها تحت المسؤولية القانونية، و هناك زيارات ميدانية وطرق لتلقي الملاحظات والشكاوى واتخاذ الاجراءات القانونية بحق المخالفين سواء كانوا افرادا او مؤسسات.
في مستشفى الاميرة بسمة، تُراجع والدة اسامة المصاب بسكري الأطفال من الدرجة الأولى منذ سنتين، العيادات الخارجية شهريا لصرف الدواء، وكل 3 شهور لمراجعة الطبيب المتخصص لمتابعة حالة ابنها ذي الـ 7 سنوات، واصفة رحلتها ب"عناء" طويل لا ينتهي، تصادف بها مشكلات أبرزها عدم توفر طبيب متخصص لحالة أسامة، ويقوم "طبيب عام" بدوره، وعدم توفر الدواء اللازم وبشكل دائم، اذ يحتاج المصاب بسكري الأطفال لإبر الأنسولين والدواء على الدوام فلا حياة دونه بدونه، وبالتالي فهي تضطر لشرائه من الخارج بثمن مرتفع.
ام اسامة تقول إن المعاناة مردها الاجراءات الطويلة والمعقدة لها والفوضى أمام المحاسبة والسجل والعيادات والصيدلية، وتطلب من الوزارة تقليص الاجراءات وتعزيز مرونتها، وتوفير أطباء الاختصاص والأدوية واعتماد نوعيات ذات جودة عالية خصوصا لمرضى السكري.
في العيادات الخارجية للمستشفى، يشكو مراجعون تردي الخدمات العامة، وعدم توفر الدواء المخصص للصرف بشكل مستمر، وعدم اعتماد آلية واضحة لتنظيم الدور بين المراجعين، إلى جانب النقص الواضح بالكوادر الطبية والتمريضية في المستشفى، واعتماد مختبر طبي لا يلبي تطلعات المرضى ولا يستوعب الأعداد "الكبيرة" منهم يومياً.
فترات انتظار طويلة يصفها مراجعون عند تلقي العلاج أو صرف الدواء، والتي تمتد لساعات فضلا عن الازدحام الشديد أمام العيادات والصيدلية والمحاسبة والمختبر والأشعة، ما يشكل عبئاً إضافياً على المرضى خصوصا كبار السن.
مريضة القلب "صفاء عبدالله" تعتبر أن واقع الخدمات الصحية المقدمة للمرضى ما تزال دون المستوى، وأن واقع الحال والشواهد العامة في المستشفيات الحكومية ولا سيما مستشفى الأميرة بسمة وعياداته الخارجية تؤكد ذلك، حيث تحتاج يوماً كاملاً لاجراء فحص دم في المختبر وغالباً لا تستطيع اجراؤه لأنه يتوقف عن استقبال العينات عند الساعة 11 صباحاً، وعليها أن تمر بسلسلة طويلة من الاجراءات الطويلة التي يتخللها الوقوف في "طوابير" لا تنتهي قبل التوجه لتسليم العينة، فضلاً عن حالات الازدحام والضغط الشديدين.
تضيف أن تكرار حالات عدم توفر الدواء أمر لا يمكن تقبله أبداً، خصوصا للمرضى المصابين بأمراض مزمنة ولا يستطيعون العيش دونها، كما أن النقص الواضح في عدد الأطباء ولا سيما أطباء الاختصاص أصبح يشكل ضغطاً إضافياً على المريض والمستشفى في آن واحد.
في مستشفى غور الصافي الحارة، يلفت الانتباه وجود الذباب بكثرة مع حديث وزارة الصحة عن مكافحة مستمرة، بينما يؤكد المراجعون ان الحال في الصيف أسوأ من ذلك بكثير.
محمد بن يحيى الرازي الملقب ب "أبو الطب" وعندما تم تكليفه باختيار موقع لمستشفى في مدينة بغداد، اختار عدة أماكن ووضع فيها قطعا من اللحم النيئ، وراقب أيُّ هذه القطع تعفنت وفسدت أولا وأخيرا، وقرر بناء المستشفى في المكان التي تعفنت فيه أخيرا، معتبرا ان مكانها هو الانقى هواء وهي المكان المناسب للبناء، وفي الأغوار المنطقة المنخفضة جدا تقول وزارة الصحة ان لديها مصفوفة معايير لاستحداث مستشفى جديد، أبرزها عدد السكان في المنطقة والبعد عن اقرب مستشفى ووجود قطعة أرض ومخصصات مالية، إضافة الى معيار توفر طبيب وممرض لكل عشرة الاف نسمة في المحافظة. كما تخص نقاط لكل معيار من هذه المعايير ويتم على ضوء مجموع النقاط تحديد اولويات بناء مستشفى جديد او توسعة مستشفى قائم في المنطقة، اذ صنفت الاولويات الى قصوى ومتوسطة او ليس ضمن الاولويات في المرحلة التي يتم فيها دراسة الواقع.
ى الرغم من أن مستشفى غور الصافي يمتاز بالنظافة العالية في أقسامه كافة، وتتوفر لديه سيارات إسعاف، ولا وجود للاكتظاظ في عياداته الخارجية، أو في قسم الطوارئ الذي افتتح حديثا بعد توسعته وتطويره، والاطباء متوفرون في هذا القسم، إلا ان يزن خليفات العامل في إحدى محطات المحروقات ويحمل بطاقة تأمين صحي بسبب الفقر الشديد، اشتكى من سوء الخدمات وضعفها، مدللا على ما حدث مع ابنته شخصيا، وأن المستشفى تحول الى منامات، ولا يوجد في كثير من الأحيان مناوبو اسعاف "وهناك ممارسات غير مقبولة من الموظفين والممارسين لمهنة الطب"، على حد تعبيره.
لكنَّ نواش النوايشة اختلف مع يزن مؤكدا ان الفرق كبير بين الماضي والحاضر، والمشفى متميز جدا، ونظيف "وقد وفر كثيرا من العناء والتعب"، وانه يراجع باستمرار وان هناك كوادر طبية متميزة. علي المشاعلة الذي يبيع الخضروات على طريق العقبة البحر الميت رفض التشاؤم والسوداوية التي يتحدث بها البعض حول الخدمات الصحية التي يقدّمها مستشفى غور الصافي، ويؤكد أن الأخطاء تحصل في كل مكان، وأن زيادة الضغط على المستشفى هي نتيجة حتمية لمعاناة المريض وعدم قدرته على الانتظار والبحث عن تخفيف الالم بسرعة، ويؤكد أن كادرا طبيا متميزا يعمل في المستشفى، مع وجود خدمات تقدم جيدة. مريض يهم بالخروج من المستشفى بعد علاجه من جلطة دماغية قيّم الخدمات الطبية بأنها جيدة، وأن الأطباء والكادر المشرف قدّم له ما أمكنه على التعافي والخروج بعد يومين من دخوله، وأنه يشعر بتحسن كبير. تشير إحصائيات وزارة الصحة إلى أن مستشفى غور الصافي يخدم أكثر من 100 الف مواطن، وفيه 50 طبيبا و 152 ممرضا، اضافة الى 82 موظفا في باقي المجالات ذات العلاقة بالتشغيل والإدارة، وأن هناك أعمال توسعة سترفع عدد الأسرَّة بها من 82 الى 140 سريرا، اضافة الى إنشاء قسم للعلاج الطبيعي ووحدة للكلى بسعة 13 سريرا وتحديث قسم العناية الحثيثة. في مستشفى الحسين بمدينة السلط، كان عمال النظافة يقومون بعمل الاداريين والممرضين مثل حمل ملفات المرضى ونقلهم من غرف العمليات الى الغرف.
وعبّر "معن" الذي حضر الى المستشفى لأخذ صورة أشعة للاسنان عن استيائه من عدم توفر افلام للصور، وهو الأمر الذي أكدته ممرضة في قسم الأشعة وأن عليه العودة الاسبوع المقبل.
معن يقول إن كلمة "إرجع الاسبوع المقبل" سهلة على لسان الموظف ولكنها ثقيلة على المريض، فهو سيعود مرة أخرى ويتحمل عناء ماديا ومعنويا وانتظارا قد يفاقم مرضه، وأكد ان هواتف المستشفى التي حاول الاتصال بها تعمل لكن لا مجيب، ولو اجابوا لوفروا عليه الكثير، متسائلا عن التخطيط المسبق ودراسة احتياجات المستشفى، وعن المسؤول عن كل هذا التعطيل!طوابير المرضى تتسع وتطول في العيادات التابعة للمستشفى في ظل غياب نظام الكتروني للدور، ولا مراعاة الحالات المرضية الشديدة أو كبار السن من خلال الاجراءات الروتينية لتوقيع الاوراق والوصفات، وصعوبة التنقل بين الطوابق .
وفي رصد للمستشفى تبين تهالك في بنيته التحتية خصوصا دورات المياه في قسم الرجال، إضافة الى صدأ في خزانات غرف المرضى، وتقديم وجبات غذاء مكشوفة للمرضى.
وزارة الصحة، تساءلت عن معايير حكم المواطنين على تراجع الخدمات الصحية في مستشفيات الاطراف، مؤكدة حرصها على تحسين مستوى الخدمات وانها توفر فيها التخصصات الرئيسة الواجب توفرها، وان عدم توفر الأدوية هو حديث "فضفاض" وأن الادوية تُصرف بعدالة الى الجميع وفقا للاحتياجات واذا انقطع علاج ما لفترة زمنية محدودة لأسباب ادارية تتعلق باستلام المستشفى لطلبياته من الادوية فان ذلك لا يعني التعميم والقول بعدم توفر الادوية اذ ان الادوية المقررة في الوزارة يصل عددها الى نحو 700 وحال عدم توفر اسم تجاري معين واوضحت انها توفر ادوية بديلة والحكومة وضعت ضمن اولوياتها للعامين 2019-2020 طرح عطاءات الادوية لــ15 شهرا بدلا من 12 شهرا وهذا يوفر مخزونا احتياطيا من الادوية.
تشير أرقام الوزارة إلى أن موازنة الانفاق على القطاع الصحي تعتبر من النسب الجيدة على مستوى المنطقة وتنفذ الحكومة ضمن موازنة الوزارة العديد من المشاريع الصحية الحيوية الرامية للنهوض بمستوى الخدمات الصحية، منها انشاء مستشفيات جديدة ومراكز صحية جديدة وتوسعة القائم منها وتحديثه فضلا عن تعزيز المستشفيات والمراكز الصحية بالاحتياجات من الكوادر الصحية لتلبية احتياجاتها وضمن اولويات الحكومة للعام الحالي 2019 تعيين 1200 كادر منهم حوالي 400 طبيب وكوادر صيدلانية وتمريضية وفنية، اضافة الى ذلك فان الوزارة قامت بالتوسع في قبول الاطباء العامين للالتحاق في برامج الاقامة في التخصصات المختلفة، لمواجهة النقص في اطباء الاختصاص على المدى القريب والمتوسط والبعيد عبر شراء خدمات اطباء الاختصاص واتفاقيات المعالجة مع القطاعات المختلفة كالخدمات الطبية الملكية والمستشفيات الجامعية والقطاع الخاص.
وتعترف الوزارة على لسان ناطقها الأزرعي بأن أبرز التحديات التي تواجهها هي الزيادة الكبيرة المستمرة في اعداد المراجعين للمستشفيات والمراكز الصحية في ظل نقص اطباء الاختصاص الذي تسعى الوزارة للتغلب عليه، وهي تبذل جهودا كبيرة في سبيل ذلك والتوسع في انشاء مستشفيات ومراكز صحية جديدة هي قيد الانشاء وبعضها الاخر قيد الدراسات، وان الخدمات التي تقدمها الوزارة ليست متواضعة بل واسعة وشمولية وكبيرة تعكسها ارقام المراجعين للمستشفيات والمراكز الصحية والمداخلات الطبية النوعية التي تجرى في مستشفيات الوزارة. الأرقام الرسمية تقول إن أكثر من 3 ملايين ونصف مواطن راجعوا اقسام الاسعاف والطوارئ في المستشفيات التابعة للوزارة، فيما بلغ عدد المراجعات للعيادات الخارجية في مستشفيات الوزارة اكثر من ثلاثة ملايين و 400 الف، وبلغ عدد الزيارات للمراكز الصحية اكثر من 12 مليون زيارة، وأجرت مستشفياتها 91 الف عملية جراحية صغرى ومتوسطة وكبرى، وبلغ عدد الادخالات 388 الف والولادات حوالي 81 الف فضلا عن تحصين الاطفال ضد الامراض الخطرة.
وزير الصحة الأسبق الدكتور زيد حمزة راى ان تراجع مستوى الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين في مستشفيات الحكومية ليس نتيجة نقص الاموال المخصصة للوزارة، بل لسوء الادارة المطبقة في التعامل مع القطاع وعدم تطبيق نظام التحويل الدائري في المعالجة، وأن المراكز الصحية هي العمود الفقري للخدمات الطبية للمؤمنين ولغير المؤمنين الذين يدفعون رسوما رمزية في كل دول العالم ، مؤكدا انه يمكن لهذه المراكز معالجة 95 في المائة من الحالات التي تصلها وما تبقى بحاجة الى طبيب اختصاص.
مديرة دائرة الاعتماد في مجلس اعتماد المؤسسات الصحية ثائرة ماضي قالت ان المجلس يتابع الشكاوى والملاحظات من أي مراجع او منتفع للخدمة، ويرسل لنا المشكلة، ليتم مراجعة الخلل، ومدى أثره على معايير الاعتماد ، ويتم التواصل مع الجهة المعنية، والتواصل مع المؤسسة للتأكد بما قامت به من اجراءات تصحيحية للوضع، إذ إن أي مؤسسة او شركة لها آلية لاستقبال الشكاوي للمنتفعين، تمر الشكوى عبر آليات ومراحل لتحسين الأداء.