انطلاق القائمة العربية للتغيير بطريقها المستقل، خطوة تفرضها الضرورة!!
قرأت العديد من التعليقات التي تستهجن هجرة الدكتور احمد الطيبي من القائمة المشتركة. وبعضهم ذهب الى اقرار انه لا بديل عن المشتركة.
اولا هناك عدم فهم ، للتفاصيل التي قادت لإقامة هذا الجسم الغريب سياسيا، الذي يسمى المشتركة، والأمر الأهم ، ما هي الدوافع والاغراءات المادية التي حسمت بإقامة المشتركة وطريقة توزيع المقاعد بين مركباتها.
مثلا كيف نفسر ان حزبا يتلاشى ويفقد قاعدته الانتخابية (والشعبية طبعا)، يحصل على عدد مقاعد لا يستحقها أصلا؟ بينما حزب آخر ، اعطته استطلاعات الرأي ضعفي الحزب الأول، لم يحصل الا على نصف مقاعد الحزب الأول؟ هل من ضرورة لذكر تفاصيل اوسع؟ او هل من الضرورة ان نكرر التساؤل عن السبب الوجيه والحاسم الذي كان وراء تشكيل القائمة المشتركة؟ احدهم كتب انه لا بديل عن المشتركة، هذه الجملة تذكرني بجملة للمرحوم احد قادة الثورة الجزائرية ورئيس دولة الجزائر الأول احمد بن بيلا، الذي قال انه "لو لم يكن الاتحاد السوفييتي موجودا لاضطررنا الى خلقه!!"
للأسف سقط الحصن السوفييتي. لكن عالمنا لم يتغير. روسيا تؤثر اليوم باطار مصالحها الخاصة أكثر مما كان من تأثير للاتحاد السوفييتي في السياسة الدولية. يوم ضرب الأمريكيون وحلفائهم العراق، لم يتحرك الحليف السوفييتي ويحمي النظام الذي كان محسوبا عليه. النظام الروسي اليوم يتحرك مثلا ويحمي النظام السوري المحسوب عليه في المفاهيم التي لا تتعلق بتحرر الشعوب ودمقرطة انظمتها، بل بما يخدم مصالحها الاستراتيجية الخاصة.
اذن التفكير السياسي الذي يتمحور حول لا مفر من قائمة مشتركة، ووحدة الجماهير العربية، التي لا اعرف مبتدأها من خبرها وكيف تتحقق. وفي الواقع ان هناك موقفا متفق عليه ضد الاحتلال الاسرائيلي وضد الاستيطان وضد الممارسات التي يقوم بها زعران الاستيطان والقمع الاحتلالي. لكن هذا جانب واحد من المعادلة. لا يمكن بسببه نفي حق تنظيم سياسي بان يرى أيضا حقه في زيادة تمثيله، وتعزيز مكانته السياسية ونهجه السياسي. التعاون يمكن ان يتواصل بطرق اخرى، تبدا بالاتفاق المشترك على فائض الأصوات والتنسيق السياسي في النشاط البرلماني.
من هنا رايي ان الاعتراض على خطوة الدكتور احمد الطيبي، هي نوع من التفكير داخل العلبة المغلقة. ويجب ان لا نعطي لهذا الشكل من الطرح أي اهمية. حتى على فرضية انخفاض التمثيل العربي، لا ارى بذلك حالة مقلقة، واقعنا لن يغيره اضافة خمسة اعضاء او انقاص خمسة أعضاء. ولا ارى ان النضال البرلماني هو المقياس الوحيد لنضال الجماهير العربية، بل العكس هو الصحيح ، النضال البرلماني شل الحركة الجماهيرية اليقظة التي كانت سائدة في مجتمعنا سابقا.
العجز البارز اليوم هو بفقدان الحزب الشيوعي لمكانته التاريخية، ولمكانته التثقيفية، بالتالي لمستوى كوادره الفكرية والسياسية، وكانت ذات اهمية كبيرة سادت حتى سنوات الثمانين من القرن الماضي، ثم بدأت بالتلاشي تدريجيا، واضحت اليوم مجرد شعارات مملة وبعضها شعارات تافهة في مضمونها الفكري او السياسي البسيط.
ان فقدان التنظيم الشيوعي للحركة التثقيفية الواسعة التي كانت تشمل كل كوادره، وضعف اعلامه، وليس سرا ان صحيفة "الاتحاد" تكاد تكون مجرد نشرة حزبية داخلية، واختفاء مجلة الشباب "الغد" التي لعبت دورا كبيرا في التوعية الشبابية، واختفاء مجلة "الجديد" الثقافية الفكرية المميزة، هي كلها دلائل لا يمكن ان تفسر على وجهين. وقبل ذلك اختفاء مجلة "الدرب" النظرية الهامة في مضامينها الفكرية لمن عايشها سنوات طويلة، وما جرى من خلل تنظيمي في صفوف الحزب الشيوعي ، ومخالفات تنظيمية مدمرة خاصة بأبعاد اهم شخصية شيوعية عن قيادة قائمة الحزب الشيوعي في الكنيست (عام 1992)، بما يشبه الانقلاب، ووقوف قيادة الحزب عاجزة ومشلولة الارادة امام هذا الأمر، جعل تفكك التنظيم الشيوعي حقيقة لا يمكن تغطيتها، لا بجبهة تفككت مركباتها الأصلية بعد اقامتها بسنوات قليلة، وتحولت الى مجرد قائمة الحزب الشيوعي واصدقائه تحت اسم الجبهة. للأسف، كل الدعوات لإعادة تقييم واقع الحزب ، واعادة برمجة نهجه السياسي في الواقع الدولي الجديد، لم تكن له آذان صاغية. طبعا انهيار المعسكر الاشتراكي، حسم نهائيا مستقبل الحركة الشيوعية في اسرائيل وفي مختلف دول العالم.
من هنا لا ارى أي مشكلة في انطلاق تنظيم سياسي محلي للعمل بشكل مستقل وبالتعاون مع سائر القوى السياسية والاجتماعية والفكرية. ورؤيتي ان الضرورة باتت ملحة لمثل هذه الخطوة، لعلها تكون معيارا جديدا لإعادة النشاط السياسي في مجتمعنا بفكر جديد ورؤية متطورة واعية لمتطلبات مجتمعنا .