"شمس بيضاء باردة" رواية انمساخ الاسطورة وتحولها نماذج بشرية تائهة
المدينة نيوز:- تفزُّ الاسئلةُ الوجوديةُ العميقةُ في رواية "شمس بيضاء باردة" للروائية كفى الزعبي، والتي بلغت القائمة القصيرة لجائزة البوكر للرواية العربية، عبر حوارات أبطالها الثلاثة، فتظل تهجس بأسئلة الحياة، الموت، الخلود، والمجتمع وسواها.
في الرواية السادسة لكفى الزعبي، الصادرة عن دار الآداب في بيروت، يقول راعي: "ركضت خلف الخروف الحزين الذي أفلت من يدي، كان أبي فرض علي أن أشارك في عملية الذبح، كي أكتسب شيئاً من الرجولة التي أفتقدها كما يعتقد، وكنت رضخت ليس له أو لاعتقاداته بشأن الرجولة، إنما لرجاء أمي التي خافت أن يتحول العيد بسبب رفضي إلى كابوس".
الشاعر والناقد مهدي نصير، قدم قرآءة تفكيكية وتحليلية للمبنى والمعنى لرواية "شمس بيضاء باردة"، وسلطت الضوء على بعدي الرواية الواقعي والمجازي وتوزايهما مع راهنية المجتمعات العربية التي تستمطر اسئلة وجودية هي الاكثر سبراً ونقدا لجوانية تاريخها الحضاري منذ قرون.
نصير اعتبر رواية كفى الزعبي التي منع تداولها في الاردن "شمس بيضاء بارة" ثم تم السماح بتداولها لاحقا، رواية جديدة بقراءتها للواقع في عين الاسطورة اذ تقرأ الرواية كيف انمسخت الاسطورة في تمثلها وحضورها التاريخي.
"هذه الرواية هي رواية انمساخ الاسطورة العليا وانهيارها وتحولها لنماذج بشرية تائهة ضائعة وغير قادرة على الفعل وتنتهي شخصياتها الرئيسة : احمد الى الانتحار وراعي لمصح عقلي"، بحسب نصير الذي يصف هذه الرواية بـ"العالية"، ويدعو الى انها "تستحق" ان تقرأ وتناقش ويعقد لها حلقات نقاشية تقرأ المناخات الواقعية البائسة للانسان والمثقف العربي غير القادر على الحضور والتفاعل مع واقعه والتأثير فيه وغير القادر على التماهي مع قيمه الاسطورية الجمعية العالية وارتداده وخيانته لهذه القيم العليا. ولفت نصير الى تفكيك اسطورة "جلجامش" في الرواية وتبيئتها عبر شخصيات واقعية مأزومة وبائسة ومحاولة اعادة بناء الاسطورة من جديد عبر التقاط ركام الاسطورة التاريخي ومزجها من جديد بعيدا عن نسق الملحمة الذي نعرفه كان واحدا من تقنيات هذه الرواية الجديدة التي تقرأ في تحولات الاسطورة التاريخية في الشخصيات الواقعية.
وقال ان رواية "شمس بيضاء باردة" تقرأ البؤس الاجتماعي والاقتصادي والنبذ الذي تعاني منه شخصياتها الرئيسة وعدم قدرتها على التكيف والاندماج في واقع مشوه متعصب ومغلق وعدواني تجاه الاختلاف، وترصد الرواية كذلك جذور التخلف والتسلط الاسري الذي يدفع هذه الشخصيات للتمرد الفاشل والناقص وغير القادر على تقديم نموذجه والدفاع عنه مما يسوقها لنهايات مأساوية تؤشر لازمة الانسان العربي المعاصر الفاقد لنماذجه الاسطورية العليا القادرة على الفعل الابداعي في اجتراح حلول وجودية لازمات هذا الانسان الذي يتحرك بتسارع مجنون نحو الانهيار.
ولفت نصير الى بعض الملاحظات التي تؤشر للتحليل الذي ذهب اليه حول الرواية ومنها انها في بنائها العام رواية واقعية ووجودية في حركتها العامة تحوي نقدا للناس البسطاء في بعض ما يعتقدون، علاوة على بعض الصور الشعرية التي تعكسها نهاية الرواية والتي تمثل خلود الخواء والعبث واللاجدوى.
والرواية حسب نصير، عملت باحتراف عال على نسج الخيوط التي تربط بين الواقع التاريخي المعيش وبين ملحمة جلجامش دون الاخلال بواقعية احداث الرواية وواقعية شخصياتها، لافتا الى انها اول رواية عربية تعيد قراءة انهيارات وتحولات جلجامش وانكيدو وعشتار والفداء بثوب واقعي اسطوري عميق.
--(بترا)