مقتطفات من محضر وكواليس لقاء الملك مع 13 رئيس وزراء
المدينة نيوز: - فرح مرقه - : قبل أربعٍ وعشرين ساعةٍ تقريباً من لقاء يوم الاثنين الشهير الذي جمع الملك برؤساء وزرائه الثلاثة عشر على طاولته المستديرة، تلقى الرؤساء مكالمةَ الدعوة للجلسة، بعض الرؤساء والحاضرين يؤكدون أن الدعوة بهذا الشكل بروتوكولية، ولكن آخرين يعتبرونها “دعوة على عجل”.
وصل الرؤساء، ودخل الملك عبد الله الثاني بملابسه ذاتها التي التقى فيها أهالي الطفيلة في المحافظة الجنوبية (قبل سويعات)، أي أن الملك داهمه وقت اللقاء قبل أن يغيّر ملابسه ليلتقي المجموعة التي تكاد تكون أكبر مجموعة من رؤساء الوزراء السابقين المجتمعة مع الملك في لقاءٍ واحد، فكان الملك الوحيد “الكاجيوال” (غير الرسمي في ملابسه) في لقاء ضمّ 15 ربطة عُنق (الرؤساء مع مدير مكتب الملك ورئيس الديوان).
فيما يقارب سبع دقائق، قدّم رأس الدولة عرضه للأوضاع كما يراها، وكما نشر بعضها بيان الديوان الملكي اللاحق للقاء وخبر وكالة الانباء الرسمية- بترا، تضمن العرض رؤية الملك للداخل، وما يمكن اعتباره “عتباً على الرؤساء” فيما يخص بلورة الأوراق النقاشية وتحويل مضمونها في جانب الإصلاح السياسي لخطط تنفيذية عملية.
“كلّنا ذهبنا متحفزين للحديث بصراحة”، قال أحد الرؤساء الحاضرين ، وهو تقريباً ما اتفق عليه البقية، ورغم ان الصراحة المتوقّعة تفاوتت مضامينها بين “الفساد وتعامل الدولة معه” والمشاكل الاقتصادية وصولاً إلى ما اعتبروه “أزمة الأردن مع التطبيع الخليجي مع إسرائيل”.
أقلُّ الرؤساء حديثاً كان الدكتور عبد السلام المجالي، والذي لم تزد مداخلته عن ثلاث دقائق، بينما استغرقت مداخلة الجنرال أحمد عبيدات نحو ثلث ساعة، المداخلةُ الأخيرة، قِيل عنها أنها واحدةٌ من أجرأ المداخلات خصوصاً وقد توسّع صاحبها في الحديث عن المشكلات الداخلية، فقد تحدث عبيدات عن الفساد وحمايته، والبطالة والاقتصاد.
أحد الحاضرين اعتبر الملك ببدء حديثه عن الإصلاح السياسي رفع سقف الحديث عنه، ما جعل رؤساء الوزراء المتوقع تحدثهم عن الملف لا يذكرونه ضمن وصلات “الانتقاد المشروع” التي خاضوها.
بدأ الحديث الذي استمر نحو ثلاث ساعات، بالعرض الملكي، ثم بدأت المداخلات من الرئيس الاقدم والذي كان جالساً يمين الملك ، زيد الرفاعي، وانتهى عند القاضي الدولي عون الخصاونة. الأخير اعتبر في حديث مقتضب أن “اللقاء شكّل بادرةً إيجابية وطيبة”، وهو بالضرورة ما اتفق عليه بقية من قالوا آراءهم .
ورغم “طيب المبادرة”، إلا أن الدكتور عبد الرؤوف الروابدة، كانت له مداخلةٌ مثيرة في اللقاء، حيث اعتبر فيها ان اللقاءات مع الملك التي تحمل شكل العصف الذهني من مدة الى أخرى “لا تكفي” وانها تحتاج لأن تتحول للقاءات دورية تحمل جدول اعمال وتتحول لخطط تنفيذية.
“هيبة الدولة” والحفاظ عليها يبدو أنه كان ملفا مؤرّقاً، حيث تناوله الدكتور معروف البخيت وطاهر المصري وغيرهم في مداخلاتهم، خصوصاً مع ربط ذلك بأحداث “عنجرة” الأخيرة، ولكن ما غاب بالاسم كان “الحراك الشعبي”، رغم ان المحاضِر تؤكد أنه (أي الحراك) كان “الفيل في الغرفة” سواء بشكله السابق او بما يتوقع منه لاحقاً.
الحراك الشعبي، كان بين ثنايا مداخلات عدّة، فسمير الرفاعي، مثلا وليس حصرا، سجّل في اللقاء ملاحظةً قوامها أن “الاعتصامات الحالية” لا تبدو ذات مطالب محددة، ما يؤثّر على قدرتها على التأثير، بخلاف ما حصل على الدوار الرابع في رمضان الماضي.
أما بالنسبة لرئيس الوزراء المتضرر الأكبر من الحراك الدكتور هاني الملقي، فغيابه عن الاجتماع كان بسبب تواجده في مصر، بالوقت الذي غاب أيضا عن الاجتماع بسبب السفر فيصل الفايز، كما لم يتم تأكيد اذا ما كان السفر سبب تغيّب نادر الذهبي، في حين حال ضعف صحة الدكتور مضر بدران من حضوره.
وإذا ما اعتبر اللقاء مُتعارفٌ عليه بروتوكولياً فعلاً، فإن غياب الدكتور عمر الرزاز، الرئيس الحالي لحكومة الأردن، بدا لأسلافه مبرّراً، باعتبار الفكرة من اللقاء بنظرهم هو تبادل آراء بين الملك ورؤساء وزراء بلاده السابقين. الحاضران طوال اللقاء إلى جانب الرؤساء كانا فقط رئيس الديوان الملكي يوسف العيسوي ومدير مكتب الملك منار الدباس، وبالفعل غاب رئيس المخابرات الجنرال عدنان الجندي.
ورغم توافقٍ بين الرؤساء أنفسهم على عدم التصريح بخصوص أي ملف خارجي، وخصوصاً سوريا والعلاقة معها، تؤكد معلومات أن الملف السوري كان حاضراً وانهم استمعوا الى تقديرٍ ملكيّ مفاده ان عمان راضية ومطمئنة على إدارة ملف الجنوب السوري وأن العلاقات تتطور ولكن بالتدرج الطبيعي، بالإضافة إلى أن اهتمامات عمان تتركز في ثلاثة ملفات هي: عودة اللاجئين، وإعادة الإعمار والحل السياسي في دمشق.
الرقم ثلاثة، شكل قاسماً مشتركاً في عدةِ تفاصيل، حيث، مثلاً، (بالإضافة للاولويات الأردنية في سوريا التي تحدث عنها الملك) استخدمه طاهر المصري في مداخلته حول القضية الفلسطينية مرتين، الأولى بذكره ثلاث إشكالات تُعتبر عثرات بوجه الأردن فيها هي: العلاقات الخليجية المتنامية مع إسرائيل، والخلافات الفلسطينية المتزايدة، والمؤشرات الكبيرة على فوز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة مجدداً.
المرة الثانية استخدم المصري رقم ثلاثة في التأكيد على ثوابت لا يمكن تجاهلها في معالجة الملف ذاته، وهي حسب رأيه: ان مقترحات الرئيس الأمريكي لعملية السلام دونالد ترامب حتى اللحظة مرفوضة، وان الأردن لا يستطيع مساعدة الفلسطينيين وحده، وبالمقابل، ان أي حل لا يمكن له ان يتم دون مشاركة الأردن.
أهم شركاء الأردن في الحفاظ على القضية الفلسطينية كانت الكويت، وهو الملف الذي ناقشه رئيس مجلس إدارة البنك الأردني الكويتي عبد الكريم الكباريتي وأثنى عليه الملك، كما تحدث الرئيس المخضرم عن رؤيته في مجال الإصلاح الاقتصادي، والعلاقات الأردنية مع دول الخليج.
الاجتماع بدا متحفّظاً في الحديث عن العلاقة الأردنية التقليدية مع دول الخليج، وهو ما يؤكد ما استمعنا له سابقاً من مرجعيات عليا في الدولة أن عمان انتقلت لمرحلة الاعتماد على الذات ولن تعود لمرحلة التسول.
الهدف من اللقاء رآه المصري “تبادل الآراء” في حين ابلغ الدكتور عبد السلام المجالي مقربين منه أنه كان لرغبة الملك للاستماع. صاحب الرأي المثير كان الرفاعي الابن، الذي قال ان الرؤساء الحاضرين شكّلوا “إرث القرارات التي أوصلت الأردن حيث هو منذ السبعينيات”، وأن الاجتماع بهم- كما يقرؤه- بهدف تذكيرهم بضرورة أن يتحدثوا ويتحملوا مسؤولياتهم في القضايا التي تثير الشارع الأردني وكانوا مسؤولين عنها.
الرفاعي زاد “لم يكن هناك قرارٌ لم تكن مسؤولة عنه حكومة.. أظن اللقاء هدف لتذكيرنا أن صمتنا جزءٌ من المشكلة واللغط.. وأن لا قرار اتخذ بلا أب وعلى كل رئيسٍ توضيح قرارات حكومته دوماً”.
رأي اليوم