السودان..إلى أين؟!
أخطر تطور بالنسبة للأزمة السودانية، التي بقيت تزداد تفاقماً مع طول الوقت منذ اندلاعها، هو إعلان حالة الطوارىء لمدة عام وهذا بينما كانت ست ولايات سودانية قد فرضت عليها هذه الحالة الاستثنائية منذ فترة سابقة بعيدة مما يعني أن هذا البلد الذي بقي يحكمه عمر البشير لثلاثين عاماً قد دخل دائرة خطر فعلية وبخاصة وأن هناك تطلعات انفصالية لدى بعض المناطق وعلى غرار ما حصل بالنسبة للجنوب الذي كان انفصاله مؤامرة شاركت فيها دول غربية متعددة من بينها الولايات المتحدة الأميركية!!. إن إعلان حالة الطوارىء ولمدة عام، قد تصبح قابلة للتجديد، تعني دفع بعض الأحزاب والقوى دفعاً للنزول «تحت الأرض»، كما يقال، واللجوء إلى العمل المسلح وعلى غرار ما هو جارٍ الآن في بعض الولايات وهذا سيكون كارثة الكوارث إن هو حصل بالفعل في بلد أهله طيبون ولا يستحق إلا الخير. ما كان على الرئيس عمر البشير أن يذهب بعيداً في تحديه لشعبه وعلى هذا النحو والمفترض أنه قد «شبع» من السلطة والحكم بعد ثلاثين عاماً وأن يأخذ السودان ليس إلى الفوضى والاقتتال والعنف وإنما إلى الاستقرار والديموقراطية الفعلية والانتخابات وليس إلى حالة مأساوية كالحالة التي تعيشها بعض الدول العربية مثل ليبيا ومثل سوريا ومثل اليمن والتي لو أن من كانوا يحكمونها، وبعضهم لا يزال، عقلاء فلما وصلت إلى ما وصلت إليه ولما حلَّ بها كل هذا الدمار والخراب. ربما أن كثيرين لا يعرفون أن هذا البلد العربي يتميز عن الدول العربية كلها بأنه بقي
يعيش حياة حزبية فعلية رغم مروره بحالات استثنائية وبخاصة في عهد جعفر النميري لا أعاده االله فهناك بالإضافة إلى حزب الأمة التاريخي، الذي يقوده الآن الرجل الطيب المتميز بثقافته وسعة أفقه الصادق المهدي، أحزاب فعلية من بينها حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي وذلك مع أنَّ هناك من يعتقد أن هذين الحزبين قد تلاشيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وبعد انهيار نظام صدام حسين في عام 2003. تجدر الإشارة هنا إلى أن بعض هذه الأحزاب كانت ذات نزعة إنقلابية ودموية إلاّ أنها كما يبدو قد تعلمت من تجارب الماضي وأنها باتت تتبع أساليب ديموقراطية عنوانها صناديق الاقتراع وأنها لم تعد «تفكر» بالانقلابات العسكرية بعد تلك التجارب المرة بالفعل التي مرت بها بعض الدول العربية كالعراق وسوريا وكاليمن وكليبيا التي كانت قد مرت بأصعب أيامها في مرحة القذافي و"جماهيريته» البائسة. ويقيناً أن هذه الخطوة التي أقدم عليها عمر البشير ستدخل السودان في مأزق حقيقي إن لم يتم التراجع عنها وبسرعة ففرض حالة الطوارىء لمدة عام قد تصبح قابلة للتجديد ستأخذ هذا البلد الطيب إلى العنف والاقتتال وستكون النتيجة المزيد من التمزق والانقسام، لا سمح االله، فهناك تجارب كثيرة في هذا المجال يجب أن يأخذها الرئيس السوداني بعين الاعتبار والذي يجب أن يعرف، والمؤكد أنه يعرف، أن هناك مثلاً يقول: «لو أنها دامت لغيرك فلما وصلت إليك"!!
الراي - الاخد 24-2-2019