ما وراء حفل الأمانة
شهدت الايام الاخيرة من شهر شباط العديد من الاحداث التي اشغلت الرأي العام الاردني، وقف على رأسها مسيرة المتعطلين عن العمل التي انتقل اصحابها من مدينة العقبة نحو الديوان الملكي، تبعها مسيرات مشابهة من مختلف انحاء المملكة كان آخرها مسيرة الاطباء المقيمين نحو الديوان انطلاقا من مجمع النقابات في عمّان احتجاجا على سياسة العقود المتبعة في وزارة الصحة كلا الحدثين يشير الى عدم وجود تواصل او سوء تواصل بين المسؤول وبين الجمهور في المؤسسات المعنية وهي حالة سيكولوجية لها ما يبررها.
فالمسير الاردني تجاه الديوان الملكي تجاوز الحدث الاسبوعي المتمثل باعتصام الرابع، وفاقه في الاهمية؛ فوجهة المحتجين على اوضاعهم الاقتصادية كانت الديوان وليس الرابع أي الحكومة والمسؤولين التقليدين، ومطالبهم تميزت بشيء من القهر والوضوح فهي ليست معقدة.
في موازاة هذه التحركات استمر النقاش حول تداعيات رفع الجهد الضريبي على القطاعات التجارية؛ اذ تواترت الانباء عن انسحاب المزيد من المستثمرين من السوق الاردنية كان آخرها مصنع للملبوسات في الكرك وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي شكاوى المستثمرين واصحاب الملايين بشكل غير مسبوق؛ اذ ان لهم مسيرهم الخاص نحو تركيا وفيتنام وابو ظبي ومصر ..والخ.
اشتد النقاش في ذات الوقت حول استراتيجية الطاقة واسعار الكهرباء؛ اذ اعلنت الحكومة عن انخفاض الاستهلاك بمقدار 2% ليفسر الامر بلجوء المصانع والمنشآت الكبرى الى الطاقة الشمسية، كما فسر ايضا بتراجع النمو الاقتصادي فالطاقة واستهلاكها مرتبط الى حد كبير بعنصر النمو والنشاط الاقتصادي، الا ان المعركة الحقيقية لا زالت تدور حول فاتورة الكهرباء التي لا زالت غامضة في نظر الجمهور.
اختتم الاسبوع الاخير من شهر شباط باحتجاجات قادتها مواقع التواصل الاجتماعي على حفل اقامته امانة عمّان ليؤكد الحقائق السيكولوجية التي فاضت الى عمان والديوان على شكل مسيرات؛ حدث سرعان ما امتدت تداعياته الى خارج المملكة بانتقادات وجهها نائب في البرلمان الكويتي لمنظمي الحفل باعتباره يتناقض مع سياسة التقشف واحتياجات المواطنين.
الملفات كانت متنوعة في هذا الاسبوع، اذ فتحت ازمة باب الرحمة في القدس الشريف الباب لدعوات اعادة تقييم ومراجعة العلاقة مع الكيان الاسرائيلي، ووقف كافة اشكال التطبيع الاقتصادي وعلى رأسها اتفاقية الغاز وهو شكل آخر من اشكال الشعور بالضجر وحالة الانسداد.
تتداخل الملفات السياسية والاقتصادية في الاردن وتتفاعل بشكل سريع لتلقي بظلالها على الشارع الاردني؛ فالقناعات لا زالت تراوح مكانها بأن هناك خللاً في النهج السياسي والاقتصادي والاداري تسهم بطريقة او اخرى في صناعة الاحداث كمسيرة العقبة للمتعطلين عن العمل؛ فالشارع الاردني يتصرف بفطرية وبأسلوب بديهي على عكس السياسيين والنخب التي تتجاهل الحقائق وترفض التعامل معها.
ما وراء حفل امانة عمان ظاهرة سيكولوجية كشفت الكثير عن سيكولوجيا الجمهور الاردني، وكشفت عن اتساع الفجوة بين النخب والمجتمع الذي لا يرى في سلوك المسؤولين مراعاة لحساسية الظرف الاقتصادي والسياسي الذي تعيشه البلاد؛ فكيف له ان يقدم حلولا لمشاكلهم وهو غير قادر على قراءتهم؛ فالفجوة كبيرة بين النخبة سواء كانت الادارية ام السياسية وبين العامة من الناس؛ ما جعل الديوان ملاذاً للناس بالفطرة؛ وهي مسألة تقود تلقائيا الى ضرورة البحث بما بعدها من خطوات اصلاحية.
السبيل - الاربعاء 27-2-2019