المشكلة فينا أيضًا..

تم نشره السبت 30 آذار / مارس 2019 12:45 صباحاً
المشكلة فينا أيضًا..
حسين الرواشدة

الهذه الدرجة أصبح المسلمون منبوذين في العالم ؟ هذا السؤال ليس سؤالا استنكاريا فقط، وإنما استفهامي أيضا، كما أنه لا يتعلق فقط بالتصريحات العنصرية التي أطلقها الرئيس الأمريكي ( دونالد ترامب)، وإن كانت صادمة ومستفزة، وإنما بحملة كبيرة تشهدها الدول الغربية تحديدا والعالم بشكل عام ضد المنتسبين للاسلام، تارة تحت عنوان ( الارهاب الاسلامي) وتارة أخرى تحت عناوين الاسلام الجهادي أو حتى الاسلام السياسي. 
لا استطيع – بالطبع- أن استثني أية أسباب قد تخطر على بال أي مسلم حول هذه ( الهجمة)، سواء تعلقت بتاريخ العلاقة بين الاسلام والغرب، وما يزدحم به من صدامات ومواجهات، وربما احقاد وثارات، أو تعلقت بالصهيونية واسرائيل ولوبياتها المنتشرة في العالم، أو بما يسمى ( الاسلاموفوبيا) التي تم صناعتها ورعايتها من قبل دول ومراكز استخبارتية واعلامية تسعى الى تطويق الاسلام وشيطنته لمنع تمدده خارج حدوده الجغرافية المعروفة. 
يمكن أيضا أن أضم صوتي لكل الأصوات التي تخرج من عالمنا الاسلامي وأكرر معها : لماذا يكرهوننا ؟ ثم استرسل في إصدار مايلزم من احكام الرفض والادانة للسياسات ( الظالمة) ضد الاسلام وابنائه، ابتداء من الامبريالية الى الشوفونية الى ( القيصرية) الجديدة، بمعنى أنني أحمّل ( الآخر) مسؤولية هذه الكراهية واطالبه بالكف عنها، وربما اندفع أكثر من ذلك فأبادر ( للشماتة) منه واعتبر ان ما يتعرض له من إرهاب هو رد فعل طبيعي لما فعله من أخطاء تجاه المسلمين في الماضي وفي الحاضر أيضا. 
هذا كله مفهوم في سياق واحد وهو ( تعليق) المشكلة على مشجب ( الآخر)، وتحمليه مسولياتها بالكامل،والآخر هنا لا يختزل في ( ترامب) وما يمثله من ( نموذج) سيئ، وانما يجري تعميمه على ( الجميع)،فالغرب ومعه روسيا و الصين، بدولها وشعوبها،( كتلة) واحدة، وعداؤها للاسلام والمسلمين واحد، ويجري على مسطرة واحدة. 
حتى الآن مازلنا نتعامل بهذا المنطق، اعتقادًا منا أن الاسلام كدين يمثل خطرا على هذا العالم (الكافر)، ولذلك فإنه يتقصد مواجهته، ومع أن هذه ( الصيغة) يجري تغليفها بعبارات أكثر لباقة، للتذكير بأن العالم يخشى الاسلام لانه يمثل بالنسبة له تهديدا حضاريا، وبالتالي فإن حربه عليه ( دينية) محضة، إلا أن معظم المسلمين يتفقون على أن مشكلة هذا العداء هناك وليست هنا، والمسؤول الوحيد عنها : هم وليس نحن، وان عنوانها هو ( الدين) وليس اخطاء بعض المسلمين، ولا أطماع السياسيين، وبالتالي فإن الحل هو المواجهة وادامة الصراع، وليس التفاهم او الحوار.
 هذا المنطق – بالطبع- يحتاج إلى نقاش طويل، لكن أخطر ما فيه أنه يضع الدين عنوانا وحيدا للعداء بين المسلمين وغيرهم من دول العالم وشعوبه، ثم أنه يعمم هذا العداء على الجميع دون استثناء باعتبار العالم كتلة واحدة، تتحرك ضد الاسلام وابنائه، زد على ذلك انه يضع المسلمين في حالة استنفار دائم ضد الآخر الذي تحركه ( المؤامرة) للانقضاض على الأمة التي تتحمل مسؤولية ( هداية) العالم وتصحيح اعوجاجه، وحالة ( الاستنفار) هذه تحتاج الى ( طاقة) حضارية لا تمتلكها امتنا الآن، وبالتالي تتحول الى حالة ( مرضية) تأخذ اشكالا متعددة منها الانعزال عن العالم، أو الاكتفاء بإدانته ورفضه، أو اشهار المواجهة معه، وكل هذه الاشكال لها نتيجة واحدة وهي اننا نخسر أنفسنا ونخسر العالم أيضا. 
 ما أريد أن أقوله هو : العالم لا يكرهنا لأننا مسلمون وإنما يتعامل معنا بهذا الشكل لأننا ضعفاء، والمشكلة ليست فيه فقط وانما فينا أيضا، كما انه اذا كان اخطأ بحقنا فنحن اخطأنا بحقه، وهنا تحت ( أخطأنا) يجب أن نضع مئة خط، لا اتحدث فقط عن المتطرفين وافعالهم التي اساءت لصورتنا في العالم، ولا عن خطاب البعض حول تحرير العالم ( بالاسلام) من جهالاته وضلالاته، سواء بالسيف أو بغيره، وإنما أيضا عن حالة ( التخلف) التي وصلنا إليها واغرت العالم بالاستهانة بنا والتقليل من شأننا، وهي لا تتعلق بما نشهده من حروب وصراعات مخجلة، وانما بما تراكم لدينا من جهل واستبداد وفساد، وما أصبحنا نمثله من أعباء على العالم نتيجة هذا التخلف.

الدستور - السبت 30-3-2019



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات