هذا الإقليم يخلو من السياسة
في اجواء انعقاد مؤتمر القمة العربیة في تونس بالأمس یبدو أن الحرص عل استمرار الطقوس البرتوكولیة للقمم العربیة بدون سیاسة فعلیة بات یختصر مشھد تفریغ المنطقة من السیاسة ومن الافعال الحرة في تقدیر المصالح والبحث عنھا ، حتى الصراعات العربیة – العربیة باتت تدار بدون سیاسة فعلیة، تعقد القمة فیما ما یزال المقعد السوري فارغا ، وجدول اعمال القمة یخلو من القضایا القومیة المركزیة . كان من المتأمل أن تفجر ریاح الربیع العربي ثورة أخرى في السیاسة تبدأ بإعادة تعریف مواقف المجتمعات العربیة من الجذور البعیدة للاستبداد، أي تحریك البحیرة التاریخیة الراكدة في إدارة الصراع ، وإعادة صیاغة شرعیة مختلفة لمیلاد سیاسة جدیدة قادرة على تحریك الصراع الأساسي في الشرق الاوسط، ولعل الخطاب الإسرائیلي – الأمیركي ھذه الأیام یؤكد بأن رسالة الشعوب العربیة لم تصل وما تزال تنقل مشوھة ومشوشة ، یبدو أن السنوات الاخیرة نقلت رسائل سطحیة مفادھا أن المجتمعات العربیة أنھكتھا صراعاتھا الداخلیة وحالة العوز الاقتصادي التي تحولت إلى حالة من الاضطھاد الاجتماعي وأصبح الصراع التاریخي في المنطقة خارج أولویاتھا . الیوم یبدو الشرق الاوسط مغلقا ، وخال من السیاسة ، بینما یعج بصفقات الاسلحة ، والصفقات التي یوجد فیھا كل شيء إلا السیاسة ، فقد كان من المبرر أن یقبل الرأي العام العربي تراجع مكانة القضیة الفلسطینیة في أولویات السیاسیة الدولیة خلال العام الأول وحتى الثالث للثورات العربیة ، وكان من المبرر إلى حد ما أن تغیب مركزیة الصراع في خطاب ھذه التحولات ، ولكن ما یستدعي طرح الاسئلة الكبیرة كیف تحول تاریخ الصراع من التحریك إلى الجمود ومن الجمود إلى الموت ثم إلى الإملاءات والإذعان . تتبدل السیاسة في الشرق الاوسط ، ولكنھا لا تتغیر . المفاجأة أن تموت ممارسة السیاسة بصمت كما یحدث ھذه الایام ، یتبدل اللاعبون ومواقعھم لكن الملعب وحساب الاھداف لا یتغیر، كما
یبدو ھذا واضحا بعد أن تم تفریغ لحظات تاریخیة نادرة . الوصف التقلیدي الذي طالما وصفت بھ المجتمعات العربیة من قبل الكتابات الغربیة والصھیونیة بأنھا مجتمعات رملیة لا تبني تراكما حقیقیا، بل ذرات فسیفسائیة إن اجتمعت فھي كثبان من الرمال المتحركة التي لا تبني ولا تراكم ، ھذا الوصف الشیق والمؤلم أكثر ما ینطبق الیوم على مسار التسویة والرؤیة الإسرائیلیة التي تحركھ؛ كثبان من السیاسات والمبادرات والتسریبات والتوقعات التي لا تقوى على التراكم ولا البناء ولا التقدم، السیاسة في الشرق الأوسط بالفعل كثبان من الرمال المتحركة لا عنوان لھا إلا الحرب المقبلة .الجدید في آلیة المناورة مع الزمن وشراء الوقت التي طورھا الاسرائیلیون طوال السنوات الماضیة، یتطلب تحریك الرمال على بعض الجبھات، لیشكل بذلك نھایة مرحلة في تاریخ التسویة، في انتظار مرحلة أخرى سوف تختلف فیھا حتما المقاسات ووحدات التحلیل وسقف المطالب إذا ما تبقى مطالب.
الغد - الاثنين 1-4-2019