منتهى الوحشية
يطرحه أرضا بلكمة قوية، لا يستطيع النهوض، يركض إليه الحكم ليسمع منه كلمة «مستسلم»، لا يقوى على الكلام، لا يقوى على الحراك، يبدأ الحكم بهز رأسه فيسقط على الأرض، إنه في حالة خطيرة، إنه ينازع، يحاول الحكم ومساعدوه مساعدته.
في مقابل هذا المنظر يتقافز الخصم ملوحاً بيديه أمام الجمهور السعيد الذي يصرخ ويصفق ويصفر إعجابا بالبطل الذي طرح خصمه أرضا. لا يأبه إلى من أسقطه وتسبب في موته، هذا أمر عادي جدا، استمر في فرحته وقفزاته وتلويحه بعضلاته المفتولة، واستمر الجمهور كذلك بهياجه وصراخه وإعجابه بالبطل غير آبه بالروح البشرية التي تستل شيئا فشيئا، وفي هذه الأجواء المجنونة استلت روح المهزوم ومات على خشبة الحلبة، لكن لم يهتم أحد! لم يحزن أحد! لم يتأثر أحد! واستمر الهيجان والرقص على الجثة بجنون، واستمر التفاخر بالقوة والعضلات.
بالتأكيد هم ليسوا من الهنود الحمر الذين صورتهم هوليود بالوحوش وآكلي لحوم البشر حين يرقصون حول الأسير الأبيض، الذي سيشوونه بعد قليل ويأكلونه، وهم يرقصون ويطلقون صيحاتهم! ذلك منتهى التزوير، والروايات التاريخية الصحيحة تقول إن الهنود استقبلوا الرجل الأبيض الذي جاء إلى بلادهم منهكا مريضا جائعا، فقدموا له الطعام والديوك الرومية، فلما شبع انقض عليهم وأبادهم وسلخ جلودهم.
هي ذات الوحشية التي تشاهدها حين ترى الآلاف يصفقون ويصفرون بهياج عجيب و»الفارس» يغرز السيوف والسهام في جسد الثور المسكين الذي يستفزه بقطعة قماشة حمراء. كلما نزف الثور أكثر، زاد إعجاب الجماهير وتصفيقهم وصراخهم.
إنها ثقافة الوحشية والدم التي لم تكن في يوم إنتاجا عربيا أو إسلاميا.
السبيل - الثلاثاء 2-4-2019