وأيُّ داءٍ أدْوى مِنَ العشق؟
الحب والعشق والهوى حالات يمرّ بها الإنسان، تسيطر على كيانه، فإن ارتفعت درجاتها تعطل العقل، وتحوّل الإنسان إلى كتلة من المشاعر والأحاسيس والعواطف، ويصبح أسيرا لقلبه ومحبوبه ولا يرجو من الأسر فكاكا.
وما أصعب أن تحبّ إنسان وهو لا يدري بحبك، فيكون الحبّ من طرف واحد، يهيمُ صاحبه وحده، ويعيش في لهيبه دون أمل في أن يصل لمبتغاه! لذلك يدخل هذا المحبّ ساحة الأحلام، فيزداد حبا وعشقا، ويظلّ حالما هائما، يحترق قلبه وكبده، فينصرف عن النوم والطعام والشراب، لا ينام حتى لا تذهب صورة المحبوب من أمام عينيه، ولا يأكل ولا يشرب لشِبَعه بصورة محبوبه التي تأخذ بمجامعه، فتنسيه لذة الطعام، بل تنسيه الحاجة إليه.
إن العشق إذا استولى على الإنسان غيّر أحواله، وأدخله عوالم تختلف عن العالم الحقيقي، فيكون الوهم والخيال هو موطنه وعالمه، ومع قلة النوم والزاد تغزو الأمراض جسده الذي أنهكه العشق والهوى، فيصفرّ ويذبُل، وربما مات عشقا، وقد نصّ الشافعية على أن من مات عشقا يعتبر شهيدا في حكم الآخرة فقط، حيث يغسل ويكفّن ويُصلى عليه، ولكن وضعوا شروطا لاعتبار الميت من العشق شهيدا أهمها العفة والكتمان: فالعفة حتى عن النظر إلى المحبوب، وتكون عفته بحيث لو اختلى بمحبوبه لم يتجاوز الشرع، و الكتمان لحاله حتى عن محبوبه.
أما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عشق فعفّ فمات فهو شهيد) فقد صححه بعض العلماء، وضعّفه بعضهم وجعله بعضهم في الموضوعات. وقد ذكر بعض الحنابلة استحالة أن يكون الموت عشقا من الشهادة، ورُدّ على هذا القول: بأنه لا مانع من كون الموت من العشق شهادة لأنه بلوى من الله، ومحنة وفتنة، صبر فيها المحب وعفّ واحتسب.
ومن جميل ما قيل في الحب والعشق قصيدة بشار بن برد التي يقول فيها:
إِنَّ العيونَ التي في طَرْفِها حَوَرٌ قتلننــا ثـم لـــم يحييـــن قتــلانــــا
ياقومِ أذْنِي لِبْعضِ الحيِّ عاشقةٌ والأُذْنُ تَعْشَقُ قبل العَين أَحْيانا
لوْ كنتُ أعلَمُ أَن الحُــــبَّ يقتلنــــي أعددتُ لي قبلَ أن ألقاكِ أكفانا
الدستور - الإثنين 15-4-2019