صفقة القرن والخیارات الأردنیة
الحدیث الذي أدلى بھ الدكتور عبدالله العكایلة رئیس كتلة الاصلاح النیابیة في اعقاب اللقاء مع جلالة الملك صریح ومباشر ویحمل في طیاتھ الكثیر من المقترحات والافكار التي تلقى قبولا شعبیا وتستجیب لمطالب الشارع الأردني وتحرر الإرادة الأردنیة من الخوف والتردد والاحساس بالقھر، إلا أن التطبیق لھ یحتاج الى استدارة سیاسیة وتحول فكري وأیدیولوجي وامكانات اقتصادیة وسیاسیة قد لا تكون متوفرة في ھذه اللحظة من تاریخ الأردن والمنطقة والعالم. منذ أشھر والأردن یعیش حالة من الحراك السیاسي الداخلي والخارجي. فالملك یجتمع بصورة دوریة مع الكتل النیابیة ومن تولوا مواقع اداریة في الدولة وبعض الكتاب والاعلامیین والعشائر فیستمع الى ھمومھم ومقترحاتھم ویعبر عن رفضھ للقرارات التي اتخذتھا الادارة الأمیركیة حول القدس والجولان وغضبھ من تعدیات الاحتلال على حرمة الاقصى والمقدسات. بالرغم من معرفة الجمیع بوجود خطة أمیركیة صھیونیة تنال من الحقوق العربیة واعتداءات اسرائیلیة على المقدسات الواقعة تحت الوصایة الھاشمیة الا ان الناس في الشارع الأردني لا یعرفون الكثیر عن تفاصیل الخطة ونوعیة ومستوى التھدیدات، كما یجھل الناس الاستراتیجیات والخطط والسیاسات التي اعدتھا الدولة لمواجھة ھذه الخطط والوقوف في وجھھا. التھدیدات التي تحملھا الخطة والاجراءات السابقة واللاحقة لإعلانھا متعددة وكارثیة فھي تنال الدولة والنظام والھویة وتلغي الحقوق التاریخیة للشعب الفلسطیني بالأرض والسیادة والوجود وتعبر عن استشراء النزعة التوسعیة لدى الكیان الصھیوني الذي یزداد شراسة وتطرفا. الخیارات المطروحة للوقوف في وجھ التعنت الأمیركي محدودة وتفتقر الى الحلفاء والمناصرین. للكثیر من الخبراء یبدو الصمود الفلسطیني وتلاحم الجبھة الداخلیة خیارا ممكنا وآمنا، لكن ذلك یحتاج الى اكثر من المشاعر والخطابات فھناك حاجة الى اصلاحات جوھریة في السیاسة والاقتصاد والادارة تعالج الاختلالات التي اضعفت ثقة المواطن بالدولة
والمؤسسات. وعلى الساحة الفلسطینیة یصعب على اي جھة اجبار الفلسطینیین على القبول بتسویة لا تلبي طموحات الشعب وتنسجم مع الشرعیة الدولیة. الى جانب الخیار المحلي المحافظ یجد خیار المواجھة السیاسیة تأییدا شعبیا واسعا. فعلى لسان رئیس كتلة الاصلاح النیابیة یمكن للأردن ان یقود حملة عالمیة تسھم فیھا الدول الرافضة للمشروع الأمیركي وتؤیدھا اوروبا وروسیا والصین اضافة الى اندونیسیا وقطر وتركیا ومالیزیا والباكستان ومن رغب من الاقطار العربیة. خیار المواجھة السیاسیة خیار مھم وفعال لكنھ یحتاج الى تنسیق عمیق ویتطلب استدارة سیاسیة وتغییرا في التحالفات الاقلیمیة والعالمیة مما قد یستفز الادارة الامیركیة وحلفاءھا الذین یحاولون استعداء كل ما ھو اسلامي. ایا كانت الخیارات التي سیتخذھا الأردن فھناك العدید من القیود والمحددات التي تجعل منھا امرا صعبا ومكلفا یحمل الكثیر من المخاطر والتھدیدات الاضافیة فالعلاقة مع الولایات المتحدة قدیمة وعمیقة واستراتیجیة قدمت من خلالھا الولایات المتحدة الحمایة والدعم والتأیید للأردن، وقف خلالھا الأردن في وجھ المد الشیوعي وتبنى سیاسات معتدلة في الاقلیم وشكل شریكا موثوقا في الحرب على الارھاب . خلال العقود الستة الماضیة تحملت العلاقة ھزات سیاسیة كادت ان تعصف بھا إلا أنھا استعادت عافیتھا فھل تستطیع العلاقة تحمل مثل ھذه الأزمة الصامتة. في لقاء الملك مع نائب الرئیس الأمیركي بنس في عمان وبعد تعقیب جلالتھ على قرار الإدارة الأمیركیة حول سیادة اسرائیل على القدس اتفق الطرفان على حق الأردن في الاختلاف مع الولایات المتحدة فھل سیبقى ھذا الاتفاق قائما؟ العلاقة الأردنیة الأمیركیة كانت وبقیت استراتیجیة للاطراف حیث یحتل الأردن المرتبة الثانیة بین الدول التي تتلقى المعونات الأمیركیة بعد اسرائیل اذا ما حسبت نسبة المساعدة لحجم السكان. في اللقاءات التي نظمھا الدیوان الملكي مع الساسة والاحزاب والكتل البرلمانیة ھناك حدیث مشبع بالدفء والمصارحة والتأیید. المشكلة ان الحدیث والمشاعر والرغبة في العمل لا تجد منافذ لترجمتھا والتعبیر عنھا، فلا توجد منابر حزبیة مؤثرة والحكومة منشغلة بالقضایا والھموم الاقتصادیة والازمات. في وسط كل ذلك یبقى تمتین الجبھة الداخلیة واجراء الاصلاحات السیاسیة الاقتصادیة الضروریة امرا ضروریا للحد من فرص الاختراق وتجنب المخاطر التي قد تعصف بالدولة والھویة والنظام.
الغد - الجمعة 19-4-2019