الجزائر والسودان .. هل من خارطة طريق ؟
لا يكاد المشهد يختلف بين الجزائر والسودان ، فالذي يسير الامور فيهما الآن هم الدول العميقة والعسكر :
في السودان نُبذ رأس النظام وألقي به في السجن وبُدئ باقتلاع رموزه ، وفي الجزائر اقتلع بوتفليقة وبعض رموزه أيضا بشق الانفس ، في انتظار ما يستجد من خطوات .
عشرون عاما في الجزائر ، وثلاثون في السودان - ( آخر حُكمين ) - هي مدة كفيلة بخلق دولتين عميقتين ليس بالإمكان تفكيكهما بين ليلة وضحاها ، فما بالك بالقواعد الراسخة التي غرسها النظام الدولي بمرابط متعددة ، والمشكلة في البلدين أنهما غير حزبيين بالشكل الذي يضمن انتقالا واضحا وسلسا ، وإذا قيل عن السودان غير ذلك فإن بإمكاننا مناقشة هذا الرأي ودحضه ، وقس على هذا الجزائر التي كفر الشعب باحزابها صغيرة وكبيرة ، بعد أن حكم البلد بآليات غير قابلة للعزل .
المجلس العسكري في الجزائر ، أو قيادة الاركان ، إن شئتم ، ملتزمة كما يبدو بالدستور ، الدستور الذي لم يعد مسايرا لمتطلبات الثورة ومطالب المنتفضين ، ولم يقل أحد بعد كيف يكون بالإمكان تحقيق مطالب الشعب في اقتلاع كل رموز النظام القديم ، خاصة وأن من بين رموز هذا النظام المراد اقتلاعه قادة العسكر أنفسهم ، مما يفسر التمسك المفرط بالدستور ، لانه بغير ذلك فإن الأمور قد تنفلت فيحدث ما لا يحمد عقباه في بلد قابل للتمزق بحكم تعدديته المتناقضة . ،كما وأن السودان لا يقل خطورة وهو الذي يعاني أصلا من الفئوية وتعدد المذاهب الفكرية والمدارس العقدية والشرعية ومن حركات متمردة ، ونحن هنا نتحدث عن جيوش مسلحة في بعض مناطق السودان وانقسامات جديدة قد تتبدى إذا انفلت الأمر من عقاله لا سمح الله .
القارئ لتاريخ النظامين في البلدين العربيين المهمين يدرك بأن السلطات " الظاهرة " التي طردها الشعب قادرة على إعادة التشكل ، وتاريخيا فإنه لا يكفي أن تقوم بثورة إذا لم تهيء بديلا ، وكما هو معلوم ، فإن الأنظمة القمعية تحرص على عدم وجود هذا البديل لتكون الشعوب امام خيارين : إما الأنظمة الحاكمة او الفوضى .
في السودان مساع لتشكيل حكومة مدنية تحت اشراف عسكري لغاية التأمين والحماية ، وهناك مطالب بأن يحكم العسكر مدة السنتين الانتقاليتين ، وفي الجزائر مشاورات واحزاب تقاطع دعوات الحوار ، بينما يبتعد الشارع في كليهما عن الاحزاب التقليدية ، وفي كليهما لا استراتيجيات ولا مصادر اقتصادية قادرة على العبور الى بر الأمان .
لست متشائما ، ولكن حراك الشعوب ، والعربية بالذات ، يجب أن يتعلم من التجارب لكي ينجح ، وإذا اجترح الجزائريون والسودانيون خريطة طريق فنأمل أن لا تكتب بالدم .
جى بي سي - الأحد 21-4-2019