كل تأخيــره...

تم نشره الخميس 24 شباط / فبراير 2011 03:19 صباحاً
كل تأخيــره...
د. قاسم نعواشي

• درج الناس على ترديد "كل تأخيره فيها خيره"، ولكن هل هذا دائما صحيح؟ فمثلا ماذا ينتظر المسؤولون عن المباشرة باتخاذ قرارات حاسمة نحو الاصلاح وليس فقط بأن يطلوا علينا بمجرد وعود؟ هل ينتظرون إلى اللحظة التي يقال لهم: "لو قلتم هذا قبل اسبوع أو أسبوعين لقبلنا: لقد متأخر".
• الشعب تدفعه الإرادة والوعي والحاجة إلى الإصلاح ولا زال يمنعه حبه لمليكه.. ولكن التأخير يزيد من وضع الشعب على المحك وجرّه إلى أن يقول: لقد تأخرتم!
• وعي الشعب ارتقى خلال الأشهر الماضية إلى مستويات لم يكن لها أن تتحقق على مدى سنين وذلك بفضل الأكاديميات التونسية والمصرية - والليبية إن شاء الله. لم تعد لغة التسويف تنفع، ولم يعد ينفع أن نتعثر ونتعذر بأمور لا يراها الناس.. فالناس اليوم أصبحوا يقرأون ما بين السطور.. بل ويقرأون ما تم حذفه أو محوه... ويعرفون الوقت المناسب وإن كان هذا هو الشخص المناسب للزمن المناسب! وإذا أسأنا الاختيار، فسنحتاج قطعا إلى التبديل والتغيير من جديد، وعندها سيكون ذلك سببا في أن يقال لكم: لقد تأخرتم.
• إذا تأخرت الإصلاحات فلن تفلح بعدها أي أدوات. التجارب التحررية من حولنا (تونس ومصر.. وليبيا في الطريق) قطعت الطريق على الآخرين، فلن يستطيعوا أن يستخدموا أي أدوات لكبح جماح إرادة الشعب إن تململ.. لأن كل شيء أصبح مكشوفا ولا يخطئه ذو عقل.. أصبحت عبارات التخويف مثل "المندسين، أجندة خارجية، الاسلاميين، إشاعة فتنة، مؤامرة على البلد، الطائفة الفلانية، أو العشيرة العلانية .." وغيرها من الأساليب المضحكة.. "قديمة" و "مجربة" ولم تجلب نفعا، بل تزيدت الطين بلة.. وقد جن أحدهم فاتهم شعبه بأنه ثار من تأثير المخدرات.. بل ثار ليرسم مجدا كالذي نراه اليوم على جباه التونسيين والمصريين.. فلم يعد هناك أدوات أكثر من ذلك للالتفاف بها على إرادة الشعوب أو تظليل الرأي العام، وجميعها باءت بالفشل، فلماذا التأخير.
• أما في الداخل، فقد اتحد كما لم يحدث ذلك من قبل. أولم يروا أن كافة أطياف العمل السياسي والحزبي والنقابي والاعلام المستقل والنشطاء السياسيين والاصلاحيين أصبحوا جميعا اليوم متحدين رغم تفاوت سقف المطالب بينهم، حتى أن الاسلاميين والشيوعيين قد توحدوا، والجميع متوافقون على ضرورة أن نرى إصلاحات حقيقية (فورا) من قبل أن تشكل الوزارة الحالية.. أم أنهم لا يسمعون كلمة (فورا) إلا إذا صدرت من أوباما؟ ولكن عندها سيقال لهم: لقد تأخرتم!
• يوما بيوم تزداد ثقة الشعب بالأطياف السياسية في البلد.. فهل ينتظرون إلى أن تصبح هذه الأطياف مع كافة الشعب في خندق واحد وعندها سيصبح لا حاجة لهم، وسيفوتهم القطار ويقال لهم وقتها: فعلا تأخرتم.
• (إحنا) غير.. (إحنا) مش مصر، ومش تونس؟ هذا أصبح في المشمش..سقطت نظرية (إحنا غير) على يد سيف القذافي، حيث تبين أنها قد تعني (أننا غير) لأننا جبابرة ندمر كل شيء ولا نخشى لومة لائم والكون يدور حولنا! إذا قبلنا بـ (إحنا غير)، سنقول لكم: أنتم وحدكم غير: (إحنا) سبقناكم أما أنتم فقد تأخرتم.
• هبت (الريح) على غيرهم في الخارج وتهب (رياح) من الداخل.. ألا تكفي كل هذه النذر؟ إن كل شيء ينذر بأنه لا مجال للانتظار؛ التأخير يعني أن نرضى بالواقع وأن نقف في نفس المكان في وقت يتحرك فيه الزمان، أي أننا نتراجع ونتقهقر ونرفض قبول التغيير والاصلاح.. إرادة الشعب مارد يتحرك بحول الله وليس لأحد طاقة على مواجهته.. أو رده.. وستكون كل المحاولات لمواجهته متأخرة.
• لم يعد هناك وقت للانتظار، ولا بد من اختصار المشوار.. لم يعد مقبولا أن نطبخ وجبة المنسف – وجبة الأردنيين المفضلة- في ثلاث مطابخ: نطبخ الرز في بيت، واللبن في بيت آخر، وهناك مطبخ خاص للحم. ثم ندخل الضيوف في مطبخ الرز، والمعزب يتنعم مترددا بين أكل اللحم وشرب اللبن المطبوخ. عندما نرى مطبخا واحدا سندرك بأننا على الطريق الحقيقي... وذلك لمن أراد الإصلاح.
لا داعي للتأخير لأن التوجه نحو الإصلاح لا يحتاج إلى نظريات وبرامج واختراعات جديدة، ولا يحتاج إلى ميزانيات وبوارج أو فرقاطات.. إنه باختصار: أن نحترم عقول الناس، ونكون أمناء على ما رزقهم الله من فضله، ونرتقي بهم نحو التطوير والحياة الكريمة. وغير ذلك سيقول لهم الشعب: لقد تأخرتم، وسيدرك الشعب أنهم لم (يفهموه) فسيختصر كل الحقوق الانسانية بكلمة واحدة.
• لا داعي للتأخير لأن المطلوب هو فقط (إرادة من الحكومة)، أما (الرؤية والأدوات) فتتبلور بعد ذلك. إن كان هناك داعي للحوار، فلا يوجد الآن أي جهة أو طيف من أطياف المجتمع يرفض الحوار، الغايات أصبحت واضحة للجميع ويمكن تلخيصها في بضع نقاط. وهي جميعها تقع في نطاق الممكن مع اختلافات في الفترات اللازمة لتحقيقها.. وكل واحدة منها ستشكل انجازا عظيما يحسب للحكومة ويخلدها.. فلماذا لا يعلنون عن هذه الارادة صراحة وبشكل فعلي في صورة قرارات وقوانين (أو البدء بمشاريع القوانين)؟ أما إن كانت الإرادة غير موجودة، فهذا يعني أنهم ينتظرون إلى أن يعيرهم الشعب شيئا من إرادته حين يقول: الشعب يريد... ولكنها إرادة لا تستعار، فحتما سيقال لكم عندئذ: لقد تأخرتم..
• أم أن سبب التأخير هو أن الحكومة الرشيدة ترى أنها قادرة وحدها وتعتقد خطأ أنها وحدها التي يجب أن تقدم الإرادة والرؤية والأدوات وتنفذها؛ وذلك من منطلق أنها هي السلطة وهي القوة الوحيدة وأنها تتحدث باسم الشعب أو أنها وصية على الشعب الذي لن ينضج إلا بعد 30 سنة؟ استرداد الحقوق من العدو يحتاج إلى القوة، بينما الاصلاح ضمن المجتمع الواحد عمل إيجابي لا يستند إلى لغة القوة.. فليس لدى هذه الحكومة – أو غيرها - القدرة على عمل كل ذلك وحدها. لا بد من اشراك جميع الاطراف والاطياف كي نضمن تحقيق الأهداف ويتحمل الجميع المسؤولية.. أما غير ذلك؟ وماذا غير ذلك؟ طبعا سيقال لكم: تأخرتم.
• كل ما سمعناه إلى الآن هو وعود وخطابات وبيانات! هناك إصلاحات لم تعد تحتمل التأخير ولا تحتاج إلا لما يحلو للبعض تسميته "إرادة سياسية".. أم أنهم ينتظرون أن يفرض الشعب إرادته، وحينها سيأخذ سقف المطالبات يزداد يوما بعد يوم.. لأنه سيقال لهم ولإرادتهم: لقد تأخرتم!
• مهلا، ربما أنهم ينتظرون إلى أن تسيل الدماء؟ وعندها نكون قد وصلنا إلى مفترق الطرق؟ حيث اللارجعة، وعندها تنتفي الحاجة إلى أن يقول لهم أحد: لقد تأخرتم.

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات