” المحبة مبينة بوجه راعيها….”
العلاقة التي تنشأ بین الانسان والمكان مھمة وتعكس نفسھا على مختلف الأوجھ للعلاقات الثانویة الأخرى. فھي إما تزیدك تعلقا بالمكان وأھلھ وأجوائھ أو تشعرك بالغربة والفجوة والجفاء . الطیور تعتاد أعشاشھا والوطاوط تتدلى من أسقف الكھوف التي اختارتھا في حالة من الارتیاح والدلال مثلما تعود الابل عند كل مساء الى نفس المكان الذي اختاره الاھل لھا ولا تبرحھ الا وعیونھا على جنباتھ كونھا لا تطیق البعد عنھ . في كل مرة یثار فیھا الموضوع تتملكني مشاعر مختلطة أجد نفسي منساقا نحو الصور الشعریة الرائعة في أعمال الراحل حبیب الزیودي في قصائده التي تناولت بحرفیة ومھارة القیم والمشاعر التي تجمع الافراد وتبني ھویتھم فتوحد مشاعرھم تجاه انفسھم وغیرھم والعالم. الوصف الذي تمیز بھ الزیودي ینفذ الى أعماق الوجدان الاردني فیحیل الكلمات الى صور واللحن الى الوان والایقاع الى رقصة تشحن السامع بطاقة لا یعرف بوجودھا قبل تسلل الصور الى اللاوعي لتشحنھ بالحب والزھو والسمو. براعة الشاعر في استكشاف اركولوجیة الوجدان الاردني والعزف علیھا جعلت من أشعار حبیب اغاني تنتظم على ایقاعھا الدبكات و موسیقى یفھمھا الصغار والكبار وكلمات ترددھا الجدات في الاریاف والمدن والمخیمات على حد سواء. الیوم وانا اتطلع في وجوه من یزاودون على الغیر في الوطنیة والانتماء وھم متجھمون وغاضبون تغیب عن تضاریس وجوھھم ملامح الفرح والحب والتقبل استذكر قول حبیب “ یا حبیبي لا تعذر بالمحبة...المحبة مبینة بوجھ راعیھا “ فالمحبة والوطنیة لا تحتاج الى مواعظ ولا الى شھادات یصدرھا موظف او مسؤول باعتبارھا جزءا من المھام التي یقومون بھا ظنا منھم ان الوطن یقوم على أكتافھم وقد یكون في خطر إن توقفت تكشیراتھم وعبوسھم متناسین أن الاوطان ھي فضاءات للحب والسعادة والرخاء والكرامة ولیس مربعا للاتھام والمضایقة والمزایدات . في الاردن ینھض في كل صباح الملایین من العمال والزراع والنساء یتوجھون للورشات
والمزارع والمصانع والمتاجر والمرافق الخدمیة والتنمویة والسیادیة وھم یعلمون أنھم یخدمون بلادھم بشرف وأمانة دون الحاجة الى تكشیرة الوعاظ او اتھام المسؤول المدجج بالغضب . لا اظن أن من حق أي منا أن ینصب نفسھ حامیا وراعیا للوطن ومصالحھ ویضفي على نفسھ ومسیرتھ الخاصة صبغة تحط من مواقع ومراكز ومقاصد الغیر فالناس لا یحتاجون لمن یزكي وطنیتھم او یضفي علیھا احكاما لایملك الحق في اطلاقھا. تجربة البلاد مع بعض من أشغلوا المواقع العامة لم تكن خالیة من الخیبات فقد مثل بعضھم امام المحاكم واتخمت الحسابات البنكیة لبعضھم وھجر بعضھم البلاد للعیش في عواصم العالم او العمل لدى انظمة البلدان وسط كثیر من الاسئلة والاستفسارات عن مصیر الخطب والقرارات والمبادرات والتكشیرات التي اطلقوھا وھم یظنون انھم حماة الدیار والاكثر حرصا علیھا . بعیدا عن الفشخرة والاستعراض یبدي الدھین المصري ابو عبده تعلقا استثنائیا وحبا عفویا وھو یتحدث عن بیتھ الذي زرع حدیقتھ بمختلف الاشجار المثمرة ویصف طبائع زبائن مشغلھ الحرفي وتنوع الثقافات الاردنیة والمزاج الشعبي من غیر ان یجرح بكلمة او بنبرة صوت وطنیة الافراد او الجماعات التي عرفھا من خلال التفاعل الیومي العفوي غیر المدجج بالغضب والاتھام. لا اظن ان الایجابیة والسماحة التي تحلى بھا الاردن كانت لتدوم لو تصرفت الاجیال السابقة ممن تشرفوا بخدمة البلاد بالروح الاتھامیة وقسوة الاحكام والانقلاب على الرواد التي تتبدى من وقت لآخر في سلوك بعضنا ھذه الایام بالنسبة لابو عبدة ولي ایضا فإن في الاردن سحر وغنى وسماحة ما كانت لتنمو لولا التنوع والحریة والابتسامة وغیاب من ظنوا أن الحب والوطنیة حرفة او وظیفة او مھنة لا یتقنھا غیرھم . ففي سلوك من یقود الحافلة بھدوء وأمن ومن یطارد السارق وینقذ الجرحى ومن یطالب بالاصلاح ووقف الفساد مواطنة لا تحتاج الى شھادة من أحد.
الغد - الثلاثاء 21-05-2019