يا عيد.. لسنا بخير!
دينار من الأب، نصف من العم، ربع من الخال و..شلن من الأخ الأكبر، تلك هي العيدية أيام زمان للاطفال. قليلة بمقياس اليوم والأمس القريب. لكننا كنا نشتري بها كل الفرح. مسدس ابو مي، فقيع، بلالين ملونة. بتعريفة نتمرجح عشرة اشواط على مرجيحة الخشب التي كان ينصبها بياع الأسكيمو في الحارة أيام العيد. وبقرش نستأجر بسكليت لمدة ربع ساعة نلف به شوارع الحارة، كان بالنسبة لنا أروع من مرسيدس. في المساء «نتغرب» في شوارع المدينة. سندويش فلافل بقرش وبمثله قنينة سينالكو أو كراش صناعة محلية، لم نكن تعرضنا لغزو الشركات العالمية. عصائر من كل الدول «عصرت» المنتج المحلي حتى الرمق الأخير فغير صاحب المصنع مهنته ليصبح بائعاً، مجرد بائع عند الشركات العالمية.
تقدم الزمن وكبرنا. صار دينار الأب خمسة و نصف دينار العم دينار، ربع الخال نصف دينار، لكنها ظلت تشتري نفس الفرح السابق. زادت الأسعار، سبقت راتب الأب و العم و الخال، قل الفرح.
لم نكن نسمع بالتضخم ولا الناتج المحلي ولا صندوق النقد الدولي ولا المساعدات من البنك الدولي ومن «الأشقاء». لم تكن اتفاقيات التجارة الحرة تستعبد المزارع و الصانع وماسح الأحذية و الميكانيكي والبائع المتجول على تلك العرباية الخضراء أم ثلاثة عجال. الدكاكين كانت ممتلئة بالبسكوت والحامض حلو و الحلاوة بطحينية و بدون طحينية. لم تكن عندنا «دكاكين سياسية « تستورد و تصدر على هوى مصالحها حتى اصبح الفقير اكثر فقراً و الغني أكثر غنى، وضاع الموظف و طبقته الوسطى و سط زحام الحياة وضجيج الفساد.
الوضع لم يعد أفضل في الوطن العربي منذ أن سموه «الشرق الأوسط» ثم «الإقليم» ثم «البقرة الحلوب « لغير أهله.
في غزة وسوريا و اليمن وليبيا وفي كل قرى العرب التي تبعد عشرة كيلو مترات فقط عن العاصمة، كل عاصمة، ثمة أطفال بلا طفولة، العيد بالنسبة لهم طقوس بدون ملابس جديدة. في العيد مظاهر فرح حزين، المراجيح الخشبية من عظام القتلى، والفرح خجول من بسمته، من يجرؤ أن يجلب لطفل الفرح وهذا الدم يلطخ الشاشات الفضائية في وجهه، دم عربي من فمه إلى خصلات شعره، من يقدم حلوى العيد للأفواه المرة، مرارة الحزن لا تذوب، تظلُّ عالقة في سقف الحلق وسقف البيت وسقف السماء الرمادي.
نفرح ونحن الحزن الممتد من المحيط إلى الخليج، تلك الأرض التي كانت يوماً عربية، بلا دواعش ولا كواسر ولا مستعمر ولا نصرة ولا أحرار الشام ولا غيرها.. كم فئة وفرقة ومذهب أصبحت في هذه الأمة!
متى نستوعب أن لا قوة ولا بيت ولا فرح لعربي، ما لم يكن عربي القلب والقالب ولا غالب إلا من آمن بالله وبالأمة. هذا عدونا يذبحنا بسكيننا ونحن نجزّ الصوف لندفئه، ونتركنا عراة حفاة نركض وراء سراب خوفنا. الفتنة أشد من القتل، وها نحن نقع فريسة سهلة غبية لصانعي الفتن، ومروجي صكوك الغفران إلى.. الجحيم!
نقولها «كل عام وأنتم بخير» ونحن نعرف أننا نكذب، يا الله.. ما أكذبنا!
الدستور - الأربعاء 5 حزيران / يونيو 2019.