أمجد ناصر رفيق الدرب
كنّا في القاهرة، قبل ثمانية وعشرين عاماً، نحضر حفل توزيع «وسام القدس للثقافة والإبداع»، وحين سلّم الرئيس الراحل ياسر عرفات والدي الوسام، هنأني صديقي أمجد ناصر، وقال : «عقبال عندك»، فرددتُ بالقول: «بل عقبال عندك أنت، لأنّك تستأهله أكثر منّي». الشاعر والأديب والصحافي المحترم أمجد ناصر يتسلّم اليوم هذا الوسام في عمّان، في احتفالية يقيمها له أصدقاؤه ومريدوه، باعتباره أيقونة قلّ نظيرها، من حيث مَلَكة القلم الذي يأخذه إلى قصيدة أو رواية أو نصّ مفتوح على جماليات آسرة، وكلّ ذلك في إطار نظيف، لا يقبل أدنى إنحراف عن نقاء الموقف. تزاملنا سنوات طويلة في «القُدس العربي»، هو في لندن وأنا في عمّان، باتصالات شبه يومية، وأعرف، ويعرف الغالبية الغالبة من المبدعين العرب أنّه صنع بامكانيات مالية تكاد تكون معدومة أهمّ صفحتين ثقافيتين عربيتين يوميتين، وكان الكتّاب والشعراء يعتبرون أنّ مجرد النشر لهم فيهما إعترافاً بالتميّز، ووصولاً إلى مئات آلاف القراء على امتداد الوطن. وليس سرّاً أنّ الشاعر الكبير الراحل محمود درويش، كان لا «يعجبه العجب»، ولا يعترف إلاّ بقليل القليل من الشعراء، ولكنّني استمعت منه شخصياً إلى أنّه يقرأ نصوص أمجد الشعرية والنثرية باعجاب، وليس لهذا السبب فحسب فاز صديقنا بجائزة درويش
للابداع هذه السنة، بل لأنّه وصل إلى قلوب وعقول القرّاء باللغة التي هي مَلَكته ومملكته أيضاً. هو أردني يختصر فلسطين، وفلسطيني يختصر الأردن، فـ«أمجد ناصر» إسم يبدو فلسطيني الأصل، و«يحيى النعيمات» إسم ينتمي إلى عشيرة أردنية كبيرة، وفي نهايات السبعينيات كان يحيى، الشرق أردني إبن المفرق، يسافر إلى بيروت للمشاركة في النضال الفلسطيني بندقيةً وقَلَماً، فاختار لنفسه «أمجد» إسماً حركياً مستعاراً، وهناك تزوّج لبنانية، ليكون عديل صديقنا المبدع الآخر عريب الرنتاوي الذي يحمل بدوره إسماً حركياً مستعاراً أيضاً، فكأنّهما استبدلا «الهويات القاتلة» لأمين معلوف بأخرى ملأى بالحياة الحرّة. «رفيق الدرب»، هذا ما ظلّ أمجد يستخدمه في اهدائي لكتبه، وأتمنى عليه اليوم أن يوسم توقيعه بنفس الكلمتين الحميمتين في كتابه «مملكة آدم»، الذي ستتلوه مجموعة كتب ثريّة اللغة، عابقة الشعر، مُعمّرة بالمضمون الصافي، بإذن االله، وللحديث بقية
الرأي - الجمعة 14-6-2019