قراءة في خطة “السلام من أجل الازدهار”
كثیراً ما تسمع قصصاً من فلسطینیین أن الإسرائیلیین جاؤوا وصادروا أراضیھم وعرضوا علیھم شیك تعویض، أو أنھم قدموا لھم شیكا بسعر عال شریطة ترك أرضھم للمستوطنین. ھذا شيء قریب مما تفعلھ الإدارة الأمیركیة الراھنة، وتقدمھ ثمناً للصمت الفلسطیني على القضاء علیھم وطنیاً، والھدف لیس تعویضھم، بل تألیب العالم ضدھم أنھم یرفضون التعویض، وأنھم بسوء إدارتھم سبب معاناتھم. ّ أعلن البیت الأبیض رسمیاً، وثیقة تخص التصور الاقتصادي للوضع الفلسطیني لمدة عشر سنوات. ویتوقع أن تكون محور اجتماعات البحرین یومي (25 و 26 حزیران (یونیو) .(2019 تتكون الوثیقة من 38 صفحة، وعنوانھا الأساسي ”السلام من أجل الازدھار“، والعنوان الفرعي ”الخطة الاقتصادیة: رؤیة جدیدة للشعب الفلسطیني“. ّ ، البدء بالسلام لأجل الازدھار، كأن السیاسة تسبق الاقتصاد، تستحق ھذه العناوین التوقف، فأولاً وھو ما یطالب بھ الفلسطینیون، وجزء كبیر من العرب والعالم، ولكن المطروح خطط اقتصادیة مجردة. وھذا في الواقع یمكن فھمھ، في ضوء السیاسات الأمیركیة الفعلیة، فالتصور الذي یقوده الفریق الأمیركي المعني بالشأن الإٍسرائیلي، أنّھ یمكن تحقیق ما یریده الإسرائیلیون سیاسیاً، (القدس، الجولان، تدمیر وكالة الغوث لتشغیل اللاجئین (الأونروا)، ضم المستوطنات، ...إلخ)، مقابل ”رشوة“ الفلسطینیین مالیاً، بمساعدات ضخمة، عابرة، وربما وھمیة، وتدفع من الجیوب ّ العربیة والدولیة، لا تؤدي لاستقلال سیاسي أو اقتصادي، بل ترسخ التبعیة للإسرائیلیین، وأن الفلسطینیین یجب أن یوافقوا. ولكن الفلسطینیین بشكل خاص، رفضوا ھذه الخطة. الجزء الثاني من العنوان الرئیسي للخطة، یستحق التوقف، خصوصاً بعد قراءة التفاصیل، فالمشكلة لدى الفلسطینیین، وإسرائیل لا علاقة لھا بالأمر. یسجل عنوان الفصل الأول، ”طرفة“ تستحق التوقف، فقد جاء في العنوان ”اتفاقیة سلام دائم
ستضمن فرصة لمستقبل اقتصادي لكل الفلسطینیین“، ولكن في النص لا یوجد إشارة لاتفاق سلام، كأنّھ كان ھناك فقرة عن الموضوع وأزیلت ونُسي العنوان كما ھو. في الواقع ذُكرت إسرائیل ست مرات في الخطة، وفي كل المرات ذكرت بجانب الأردن ومصر، وأحیاناً أضیفت لبنان، وفي كل ھذه المرات الحدیث عن التجارة والتعاون الاقتصادي، ولم تذكر إسرائیل كطرف في المشكلة أو كاحتلال أبداً. فكأن السلام لیس مع إسرائیل، وكأن إسرائیل طرف في الحل، ولیست أساس المشكلة. ّ مجمل الخطة، تتحدث عن تطویر التعلیم، والاقتصاد، والحوكمة. وبالأحرى قسمت الخطة إلى ثلاثة أقسام، (إطلاق القدرات الاقتصادیة، تمكین الشعب الفلسطیني، تعزیز الحوكمة الفلسطینیة“. رغم ذكر كلمة الشعب الفلسطیني (people ،(فإنّھ لم یتم الإشارة إلى أي تجسید وطني أو سیاسي لھذا الشعب. فقد ذكرت كلمة ”دولي“ 27 مرة، عند الحدیث عن الأسواق ُ والمجتمع الدولیین، ولكن لم تذكر كلمة ”دولة“ في الإشارة لفلسطین أو مستقبلھا مطلقا، ولم تذكر كلمة وطني (national ،(إلا في مرة واحدة عند الحدیث عن قاعدة بیانات وطنیة. ھناك عبارات عدیدة، تعكس السعي أن یقرر واضعو الخطة، للشعب الفلسطیني مستقبلھ، ّ وطموحاتھ، وحتى أحلامھ. فمثلا جاء أن الخطة تساعد الفلسطینیین على ”السعي نحو أحلامھم“، ولم تناقش الخطة أحلام الفلسطینیین بالاستقلال وزوال الاحتلال وعودة اللاجئین. بل تحدثت الخطة عن إعادة خلق ثقافیة فجاء فیھا أنھا تتضمن ”فرصا جدیدة من أجل نشاطات ثقافیة ّ وإعادة خلق ستحسن نوعیة الحیاة للشعب الفلسطیني“، كأن مشكلتھم بسبب ثقافتھم. العنوان الوحید الذي قد یتخیل شیئا وطنیا وسیاسیا حقیقیا في ھذه الخطة، ھو ”المعابر الحدودیة“، فھل ستنحسر السیطرة الإسرائیلیة؟ أو تزول؟ لا شيء من ھذا أبداً، بل الحدیث عن تحسین العبور ونقل البضائع. وھذه فكرة إسرائیلیة موجودة منذ سنوات، والإسرائیلیون ھم من یجبون الجمارك والأموال، وھم من یقرر كم یدفعون للفلسطینیین. ویشاھد المسافرون بین الضفتین الشرقیة والغربیة لنھر الأردن مؤخرا مشاریع موجودة فعلاً، لتحسین مناطق تخزین ونقل البضائع. الفلسطینیون لا یسیطرون على الأرض أو الحدود أو المیاه أو الموارد الطبیعیة أو الأسعار فكیف سیقومون بالتنمیة؟ كل ما في الخطة یستحیل تحقیقھ مع بقاء الاحتلال، فمثلا ”خفض الجمارك“، بل حتى أسعار المحروقات، أمر لا یقرره الفلسطینیون، بل الاحتلال. ما ھو مطروح ألا یطلب الفلسطینیون الحریة، مقابل وعود یستحیل تحقیقھا بوجود الاحتلال، ویسھل تحقیقھا إذا زال.
الغد - الاثنين 24-6-2019