انقراض الدولار
قرار إدارة فیسبوك إنشاء عملة رقمیة (لیبرا) منافسة للعملات الرقمیة الموجودة مثل البیتكوین، وتطبیق الكتروني لمحفظة رقمیة خاصة بھا (كالیبرا) یمكن من خلالھا اجراء جمیع عملیات البیع والشراء والتحویلات والتداولات عبر العالم وبطریقة سریعة آمنة وفوریة ودون وساطة بنوك ومؤسسات، كان الخبر الأكثر إثارة مؤخرا، فوراء فیسبوك اكثر من ملیاري مستخدم وامتداد لا یضاھى في وسائل التواصل والاتصال الرقمي یجعلھا بدیلا سھلا مباشرا وجاذبا یغني عن كل الوسائط التقلیدیة، والتوقع ان العملة الرقمیة الجدیدة المقدر لھا الظھور العام القادم ستكتسح السوق وتعطي دفعة قویة نھائیة للعملات الرقمیة وللعملیات المالیة والاقتصادیة المباشرة دون وساطة النقد التقلیدي والبنوك، وبالنتیجة بعیدا عن سلطة الدول والنظام المالي والمصرفي العالمي. لكن المفاجأة أول من أمس جاءت من استنفار الكونغرس الأمیركي ضد المشروع، حیث تم توجیھ رسالة الى فیسبوك تطلب التوقف على الفور عن خطط تنفیذ عملة ”لیبرا“!! حتى تتاح للھیئات المختصة دراسة الأمر. وصرحت الرسالة عن مخاوف أن ھذه المنتجات قد تقدم نفسھا ً كنظام مالي عالمي جدید تماما ینافس الدولار، كما یثیر مخاوف بشأن الخصوصیة والتداول والأمن القومي والسیاسة النقدیة والاقتصاد العالمي برمتھ. ما الذي یحدث بالضبط؟! في البدایة أثارت العملات الرقمیة حماس الیمین الرأسمالي المتطرف لأنھ رأى فیھا اتجاھا للمستقبل یثبت ویدعم ایدیولوجیتھ حول تقلیص دور الدول على السوق والاقتصاد، فھذه العملة ھي التجسید الأكثر اشراقا لمفھوم السوق الحر والمتحرر من وصایة او تدخل السلطات التي تقوم على اصدار النقد والتحكم بالسیولة في السوق. لكن ھذا لم یكن الجانب الوحید، فھناك انقلاب في كل المعادلات التقلیدیة حتى ان البعض یرى في تقدم العالم الرقمي نھایة الرأسمالیة كما عرفھا العالم للقرنین التاسع عشر والعشرین، ویصعب على اي خیال ان یرسم صورة لمستقبل عالم بلا عملات نقدیة ولا وساطة بنوك، وماذا سیكون معنى الثروة
والثراء والفرص وسلطة القرار. وواقع الحال منذ الآن ان اطرافا تستخدم العملة الرقمیة في مواجھة سطوة الرأسمال وخصوصا الدولار والولایات المتحدة، والعام الماضي لجأت دولة مثل فنزویلا لمواجھة الحصار المالي والاقتصادي الأمیركي باصدار عملة رقمیة للتداول تتجاوز نظام الحصار، وقد حققت نجاحا، ما دفع ترامب لاصدار مرسوم یحظر على أي امیركي التعامل مع ھذه العملة الرقمیة المسماة ”بیترو“، وتعتبر العملات الرقمیة ممرا لكل الجھات؛ افرادا ومؤسسات، والتي تعاني من القیود على التعاملات المالیة عبر البنوك مثل المؤسسات أو التنظیمات او الافراد الذین تفرض علیھم الولایات المتحدة قیودا بتھمة الارھاب . انقسم الخبراء الاقتصادیون مبكرا حول العملات الرقمیة، ومال المسؤولون المالیون في الحكومات والبنوك المركزیة، وھم بطبعھم محافظون، الى التحفظ على العملات الرقمیة كالبتكوین والاثیریوم والتوصیة بعدم التعامل بھا واعتبارھا مغامرة غیر مأمونة. وفي فترة معینة مالت الاحداث لجانبھم عندما انھار سعر البتكوین الى نصف قیمتھ لكن لم یلبث ان استعاد عافیتھ واتسع تداولھ وبدأت دول كالصین تمیل للاستعانة بالعملات الرقمیة لمواجھة الشروط والتقییدات التجاریة الأمیركیة، واصبح واضحا ان العملة الرقمیة لن تكون ظاھرة أو ”صرعة“ عابرة، حتى جاء قرار فیسبوك لیعلن این یذھب المستقبل، وھو لیس مستقبلا مضمونا لأي طرف، وعلى الأقل وحتما لیس لمصلحة الدولار الأمیركي عملة التداول لثلاثة ارباع الاقتصاد العالمي، وھو ما استدعى الاستنفار ضد المشروع
الغد - الخميس 4-7-2019