استعصاء الانتقال الديمقراطي عربياً
لم تتمكن غالبیة الدول العربیة التي شھدت انتفاضات شعبیة في العقد الماضي من استكمال ّ عملیة التحول السیاسي نحو الدیمقراطیة مع استثناءات محدودة، مثل تونس والدول التي ذھبت باتجاه الإصلاحات التدریجیة. على العكس من ذلك، فقد شھد العدید من ھذه الدول صراعات مسلحة على السلطة، اتخذ بعضھا طابع الصراع المذھبي، وأدت لانھیار أو شبھ انھیار السلطة المركزیة في العدید من ھذه الدول، بینما شھدت بعض الدول عودة للأنظمة السلطویة. لقد تأخرت الاحتجاجات والانتفاضات في بعض الدول مثل : السودان والجزائر لشھور عدة مضت، والتي اتسمت بالغالب بالطابع السلمي، ولكنھا لغایة الآن لم تتمكن من وضع خریطة طریق للانتقال الدیمقراطي السلمي، وھناك مؤشرات على تعثرھا، ومن ثم الانزلاق الى الفوضى والعنف الذي نتمنى عدم حدوثھ. ھناك دروس مستفادة من ھذه التجارب، أھمھا أن عملیة التحول الدیمقراطي ھي عملیة مؤلمة، لیس فقط في العالم العربي، وإنما في غالبیة دول العالم. السبب الرئیسي في ذلك، ھو أن عملیة التحول الدیمقراطي تتطلب إعادة ترتیب للبنى التحتیة السیاسیة، والاقتصادیة، والاجتماعیة في المجتمع، بما فیھا المصالح الاقتصادیة والسیاسیة للنخبة، والفئات الاجتماعیة المختلفة. علاوة على ذلك، فإن التحول الدیمقراطي یؤثر في مصالح الدول الإقلیمیة والدولیة. ھذه التعقیدات تفسح المجال للقوى الخارجیة بالتعاون مع بعض القوى الداخلیة المتضررة مصالحھا من ھذه التحولات لمحاولة إحباط عملیة التحول، التي تحظى أحیاناً بدعم نسبة كبیرة من الناس، كما حصل في تجارب بعض الدول العربیة خلال السنوات الماضیة. من أھم القوى التي تؤدي دوراً حاسماً في عملیة التحول الدیمقراطي، ھي مؤسسة الجیش في تلك الدول، وھذا ینطبق أیضاً على أغلب الدول النامیة. إذ إن مؤسسة الجیش في بعض دول العالم الثالث أدت دوراً مھماً في عملیة التحرر من الاستعمار، ودوراً أكبر أھمیة في بقاء دولة ما بعد الاستعمار.
أكثر من ذلك، فالعدید من رؤساء دول العالم الثالث، بما فیھا الدول العربیة، قد جاءوا من مؤسسة الجیش نفسھا. ھذا الوضع جعل عملیة الفصل بین الجیش والدولة صعباً جداً، وھذا یدل أیضاً على المصالح المشتركة التي تتمتع بھا مؤسسة الجیش مع النظام نفسھ، لا بل أحیاناً تصبح مصالح الجیش أقوى من الرئیس، ومصالحھ وشبكة علاقاتھ، وتكون على استعداد للتضحیة بالرئیس من أجل ً مصالحھا. في دول عربیة عدیدة تنحى رؤساؤھا انحناء لرغبة الشعب، ولكن بقیت مؤسسة الجیش ممسكة بزمام الأمور، ولعبت دوراً بعدم نجاح الشعوب في تحقیق تطلعاتھا. الكل یترقب في ھذه المرحلة ما سوف تؤول إلیھ الأحوال في السودان والجزائر. فبالرغم من سلمیة الاحتجاجات، وغیاب الرؤساء، إلا أن ھناك استعصاء للتحول الى الحكم المدني، والسیر في عملیة التحول الدیمقراطي. إنھ لمن الصعب التكھن بالنتائج لھذا الانسداد، ولكن ھناك مؤشرات غیر مطمئنة في السودان،وبدرجة أقل في الجزائر بسبب عدم التوافق على الطریقة المثلى لعملیة الانتقال الدیمقراطي، ما قد یؤدي للانزلاق للعنف، وتكرار السیناریو الذي حصل في بعض الدول العربیة. وھو، إجھاض الثورات الشعبیة في ھذین البلدین. إن عملیة التحول الدیمقراطي عملیة عسیرة وشائكة،وقد تأخذ عشرات السنین.
الغد - الخميس 4-7-2019