الرزاز سيبقى رئيسا لسنوات
الدكتور عمر الرزاز، حسب قراءتي للمشهد المحلي بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية سيبقى رئيساً للوزراء لمدة قد تمتد لأربع سنوات إضافية أو خمس. وهذا يتطلب تعديلا دستوريا إن قامت حكومته بحل مجلس النواب قبل انقضاء مدة الاربع سنوات منذ انتخاب اعضائه. أو أن يتم تبني سياسة جديدة تسمح لمجلس النواب بالاستمرار أربع سنوات كاملة ما يمكن الحكومة من الاستمرار إذا حصلت على ثقة مجلس النواب الجديد.
والاسباب لاستمرار الحكومة هو أن الاقتصاد الأردني، وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على دورة التراجع والتباطؤ الاقتصادي، بات قريباً من الدخول في دورة التعافي البطيء، والتي قد تكتسب تسارعاً أكبر في 2020 وما بعده. ولذلك، سيتفاءل الشعب بأداء الحكومة، وستقل عليها الاحتجاجات.
والأمر الثاني أن المنطقة ستشهد هدوءاً تدريجياً بعد التصعيد الكبير في السنوات الماضية والتوتر والحروب. وما يعزز هذا التنبؤ هو أن كثيراً من الأسباب الخارجية التي حالت دون استفادة الأردن من التعامل مع جيرانه ستبدأ بالتغير الإيجابي. فعلى سبيل المثال لا الحصر المقاطعة الأميركية لسورية التي تحرم البلدين من فوائد التعامل البيني. وكذلك فإن الوصول إلى مرحلة التفاوض مع إيران سيمكّن الأردن من رفع وتيرة التعاون التجاري والرأسمالي الاستثماري مع العراق.
وإذا هدأت الأوضاع في اليمن، وتطورت العلاقات بين دول مجلس التعاون إلى درجة أقل من توترها الحالي، فإن الأردن سيجد أنموذجا جديدا من العلاقات مع دول المجلس.
أما على مستوى الجبهة الداخلية، فإن حالة الرفض الشعبي لإعادة تعريف العلاقة المالية بين الحكومة والشعب سوف تكون قد صارت جزءاً من طبيعة الحياة العادية. وإذا ارتفعت معدلات النمو، ونمت الإيرادات الحكومية بفعل ذلك، فإن الحاجة إلى مزيد من الإجراءات التقشفية لن يكون عن طريق زيادة نسب الضرائب والرسوم، وإنما عن طريق تقليص الإنفاق الجاري، بحيث يصبح توازن الموازنة العامة أقرب منالا وأقل جلبا للسخط والاحتجاج.
وكذلك، فإن بعض القرارات الحكومية التي ستبرز الحاجة إليها تصبح أكثر ترحاباً لدى الشعب الاردني والمقيمين. فلربما تتمكن الحكومة من الاضطلاع ببرامج استثمارية تخلق فرص عمل في المحافظات. وربما يكون لدى الحكومة متسع لتحسين مناخ الاستثمار، ورفع مستوى الانتاج، وتحسين نوعية الخدمات الحكومية، وحل مشكلة البطالة خاصة في صفوف الشباب والإناث.
أما الأمر المهم فهو الرضا عن الحكومة بشكل عام ورئيسها بشكل خاص. والرئيس نجح في ثلاثة امتحانات، الأول أن الرزاز يدرك في هذه المرحلة الدقيقة أن الفصل بين الأداء الاقتصادي والاداء السياسي مطلوب. وقد نجح في هذا الامتحان. ولم يقل أحد أن هناك من يتدخل في عمل الحكومة، واستلب منها القرار الاقتصادي أو الاداري أو الاجتماعي أو حتى القانوني.
ومن ناحية أخرى، فإن الرزاز أبرز أكثر من مرة أن له رأياً يختلف عن زملائه ومستشاريه في الحكومة أو مؤسساتها المستقلة. فقد قيل أن الرئيس مع تعديل قانون الانتخاب، ولكنه رضخ لرأي اغلبية الوزراء. وحصل أمر مشابه حيث نجح الرئيس في فصل موقفه من قانون ضريبة الدخل للعام 2019 عن زملائه في الوزارة.
وكذلك نجح الرئيس في الحفاظ على التوازن في العلاقة مع السلطتين التشريعية والقضائية وراعى فصل الأدوار بعناية. وقد قام رئيس مجلس النواب بالإعلان عن مواقف صريحة تجاه القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا دون أن يجحف بحساسية الموقف الحكومي في هذه القضايا، خاصة تجاه الاشقاء في الخليج. واستطاع الرزاز أن يمرّ بحكومته من الزوبعة التي أثيرت حول اتفاقية استيراد الغاز من شركة نوبل الأميركية.
وأخيراً، فإن الرئيس نظيف، ويحارب الفساد رغم كثرة القضايا في هذا المجال وتعقيداتها، ولجوء الجهات الشعبية المختلفة لإثارة الفساد وقضاياه باستمرار.
هذه الأمور كلها ترشح استمرار الحكومات لمدد كافية تقدر خلالها على تنفيذ سياساتها وتصوراتها، ما يجعل في رأيي الرئيس الرزاز مرشحاً للبقاء في منصبه لسنوات قادمة.
الغد - الاثنين 22-7-2019