هل وصلت الرسالة..؟
لدي مداخلة حول ما تردد من «اشاعات» في فضائنا العام على امتداد الايام المنصرفة، اعتذر سلفا للقارئ الكريم عن الخوض في تفاصيلها، اكتفي فقط بتسجيل مسألتين اثنتين على الهامش.
المسألة الاولى تتعلق «بالنميمة» السياسية التي انتقلت من الصالونات والمجالس الى وسائل التواصل الاجتماعي، واصبحت بمثابة جراثيم من الاشاعات تداهم عقولنا فتفتك بها، وسواء اكانت بقصد تصفية حسابات او الترويح لبعض الاشخاص والنكاية بآخرين او التغطية على قضايا ومشكلات، فانها تحولت الى «صناعة ثقيلة « لا يمكن للافراد ان يتعاملوا معها بمعزل عن حركة الدولة بكل ما تملكه من امكانيات.
اما المسألة الاخرى فتتعلق بسمعة وهيبة ومكانة مؤسساتنا الوطنية، وخاصة تلك التي لها رمزية خاصة في ذاكرة الاردنيين ووجدانهم، اعني مؤسساتنا الامنية والعسكرية، هذه المؤسسات بقيت فيما مضى بعيدة عن هذا الخلط والاشاعات والتشكيك , ويجب الان ان نحرص على بقائها بعيدة عن اختلافاتنا ومقايضاتنا , ليس فقط لانها تستحق ذلك بادائها , وانما ايضا لانها تشكل طوق الامان بالنسبة للدولة والمجتمع , ولان المساس بها يتجاوز الخطأ الى الخطيئة الكبرى، الخطيئة التي تفقدنا مناعتنا وتلحقنا في طابور الذين يصطفون حولنا في جحيم الحروب والصراعات , ولهذا اجدني امتلك الجرأة لكي احذر من ذلك , واضم صوتي لكل صوت ينحاز لمؤسساتنا هذه بلا اي تردد.
لا يمكن بالطبع , لاحد ان يدافع عن اخطاء تقع هنا او هناك , لكن من واجبنا ان نذكّر ان مؤسساتنا هذه التي نعتز بها هي التي كشفت على الدوام معظم ما يحدث من اخطاء , حتى لو كانت داخلها , وهي التي ساهمت في تصحيح مسارات سياسية وادارية كادت في لحظة ان تعصف بمجتمعنا , مما يعني ان وراء السهام التي تتوجه الينا « نوايا « مشبوهة لا علاقة لها باخطاء يمكن ان تحدث , بقدر ما تريد ان تعيدنا الى مربع الشك بذاتنا , وتهشيم صورة مؤسساتنا , والاجتراء على انجازاتنا الوطنية التي تمثلها هذه المؤسسات بادائها الخير , وطبيعتها المؤسسية وثقة الاردنيين بها .
بصراحة , لقد عانينا - وربما ما نزال - من محاولات استهدفت تجريح مؤسساتنا الوطنية ونزع ثقة الناس بها , خذ مثلا ما حدث لمؤسسة البرلمان , ولمؤسساتنا التعليمية والدينية , ولحكوماتنا ايضا , صحيح ان اخطاء بعض هذه المؤسسات كان جزءا من المشكلة , ولكن الصحيح ايضا ان هنالك عملية خلط مقصودة , ربما , جرت بين المؤسسة وبين العاملين فيها , وفيما كان من الواجب ان ينصب النقد على اداء العاملين انحرف الى « المؤسسة « ذاتها , وهذه خطيئة كبرى لا يجوز ان « نبتلعها « او ان تصبح جزءا من انطباعاتنا ومواقفنا العامة .
لا يكفي لتبديد ظاهرة الشائعات ان نلعن من يروجها، او ان نضع المسؤولية على من يصدقها، او ان نتفنن في نفيها وتكذيبها، وانما لا بد من اغلاق المكامن التي خرجت منها، والاغلاق هنا يقتضي بالضرورة فتح ابواب المعلومة الصحيحة لكي تتدفق بسهولة وتصل الى الناس، وسرعة معالجة الملفات التي يتطاير منها دخان الاشاعة، ومواجهة مصائد التعطيل التي تسعى لتشكيك الناس بما يؤمنون به ويريدونه، كما يقتضي ايضا عدم الهروب من استحقاقات المرحلة بما تتضمنه من مشاركة في القرار، وانتصار للاعلام الوطني الحقيقي ولحرية التعبير، واستعادة للثقة التي تراجعت بين الناس والمسؤول، وخروج من دائرة التباطؤ في اتخاذ القرارات ومعالجة المشكلات الى دائرة السرعة والحسم، وعدم الرهان على الوقت واللعب على اوهام الاختلاف.
هل وصلت الرسالة..؟ اتمنى ذلك
الدستور= الاثنين 29 تموز / يوليو 2019.