بداعي السفر..
في الأردن لا يخلو أي لقاء أو حديث عابر من الإشارة إلى سوء الأوضاع الاقتصادية والسرد لمحاولات الناس البحث عن أماكن وفرص العمل وحالات الأسر والأفراد ممن اختاروا العيش خارج الأردن بعد أن يئسوا من ركود الأوضاع وعملوا على تصفية أعمالهم وعرض عقاراتهم وبيوتهم للبيع. الآلاف من الأسر والأشخاص يغادرون البلاد إلى العديد من الأقطار التي تمنحهم تسهيلات في الإقامة والعمل والاستثمار. في القرى والأرياف والمخيمات والبادية يشكو الناس من البطالة ونفاد المدخرات ويلقون باللوم على الحكومة والسياسات وآليات صناعة القرار.
عندما تتجول في عمان وخصوصا الأحياء الغربية منها فإن أكثر ما يلفت النظر وجود إعلانات البيع. البيوت والعمارات وقطع الأراضي وواجهات المحلات التجارية تحمل لافتات كتب عليها بخط أحمر عبارة للبيع. من وقت لآخر يحدث البعض اللافتات بإضافة عبارات جديدة للإعلان وأرقام هواتف إضافية علهم يفلحون في استمالة بعض المهتمين. عبارات “من المالك مباشرة” و “بداعي السفر” و “بدون وسطاء” و “للجادين فقط” لم تغير كثيرا في حجم الإقبال على الشراء أو حتى السؤال عن المعروض.
خلال الأشهر القليلة الماضية قدمت الحكومة لمجلس الأمة تشريعا يسهل عمليات الفرز والتخارج وإزالة الشيوع بين الورثة والشركاء ووحدت ثلاثة عشر تشريعا في قانون واحد بهدف إعطاء دفعة قوية لقطاع العقار وعلى أمل أن تسهم الحركة في تحريك العشرات من المهن والأعمال المرتبطة به. بخلاف التوقعات المرجوة من هذه الإجراءات لم يحدث فرق كبير وما يزال الناس يأملون في تغيير لم يحصل بعد.
الاقتصاد الأردني عانى وما يزال من الهزات المتتالية التي ولدتها الأوضاع السياسية الأمنية في البلدان العربية المجاورة في أعقاب الاحتلال الأميركي للعراق وهجرة مئات آلاف العراقيين للأردن شهد السوق العقاري نموا ملحوظا انعكس على أسعار البيوت والشقق والأراضي والمحال التجارية وبصورة تفوق المعدلات الطبيعية لنمو القطاع. الدفعة القوية التي منحها التواجد العراقي لسوق العقار الأردني لم تدم طويلا فقد تلاشى تأثيرها بعد أقل من خمس سنوات حيث تجمّد الطلب على العقار وظهرت بوادر التراجع بعدما وجد العديد من هؤلاء الأثرياء بلدانا عربية وأوروبية توفر شروطا أفضل لإقامتهم واستثماراتهم.
انسحاب الأثرياء العراقيين من السوق العقاري وبناء المدن السكنية بالمنحة السعودية ووجود إغراءات وتسهيلات للاستثمار والتملك العقاري في أقطار عربية ودول الإقليم عوامل أساسية في الوصول إلى حالة الركود التي يشهدها القطاع.
حتى اليوم لا يوجد في الأفق برنامج لبناء اقتصاد يمكن أن يخلص البلاد من التبعية الاقتصادية ويحرر إرادة الأمة من الضغوط ويدفع بالجميع للعمل بثقة. الحديث عن الصفقات والفساد والمشروعات الفاشلة قصص يجري تداولها يوميا وتؤثر على تفكير واستقرار ودوافع الناس للتملك والاستثمار.
بدون رؤية واضحة وخطط وطنية يشارك فيها الجميع ويجري تنفيذها بدقة ضمن أطر زمنية سيبقى الخوف مسيطرا على فكر ووجدان الأردني ويدفعه للشكوى والتذمر والبحث عن خلاص فردي على حساب مصالح الأمة والوطن.
الغد- الخميس 1-8-2019