الأردنيون.. مخاوف ووعود
ما يزال الأردنيون ينتظرون برنامج الحكومة الذي وعد به الرئيس. محاور النهضة والحديث عن الدولة الديمقراطية القوية والاقتصاد المنتج والتكافل الاجتماعي لا تعدو أدبيات جذابة يصعب الاستدلال على آثارها وانعكاساتها على حياة الناس.
في المستشفيات الحكومية ينتظر المريض غير المدعوم بواسطة عاما كاملا ليحصل على صورة طبقية ضرورية لتشخيص حالته . فترة الانتظار التي اصبحت اعتيادية في المصحات الحكومية كافية لبعث اليأس والتسليم بالقضاء . لا احد يعرف ما الذي يمكن ان يقدمه الطب لمريض بعد عام من المعاناة دون تشخيص دقيق .في حالات كثيرة يموت المرضى قبل أن يأتي اليوم الموعود لصورهم الشعاعية ودخول مرحلة الاستشفاء. الاكتظاظ التي تعاني منه مستشفياتنا يشير إلى تدهور في مستوى الخدمة ونوعية الرعاية الطبية التي كانت مضربا للمثل في تقدمها وجودتها.
الخدمات الصحية ليست الوحيدة التي تعاني من التراجع فالطرق الخارجية متهالكة وخطرة والازمات المرورية جزء من الهم اليومي الذي يعايشه العمانيون والاسعار في تصاعد مستمر والمحسوبية لا سبيل لاستبعادها في كل مجال والتعليم في تراجع حتى مع المناهج الجديدة المتعاقد على تطويرها بملايين الدنانير.
آلاف الأسر ممن يسكنون طبربور والزرقاء واربد والطفيلة والكرك ينتظرون دورهم في المياه التي أصبحت تأتيهم ساعة أو اثنتين في الاسبوع دون وجود ما يضمن وصولها، ففي الايام الاخيرة تتكسر الخطوط وتسرق كوابل التوليد ويجري تدمير وإتلاف الناقل الرئيسي بفعل الاعتداء او تخبط آليات المتعهد المكلف بتنفيذ الإنشاءات المتعلقة بالباص السريع.العاطلون عن العمل يبدلون اماكن اعتصاماتهم و يلاحقون الاعلانات والوعود ومواعيد المسؤولين دون كثير من الامل .
لا احد يصدق ان بلدا فقيرا غير منتج للنفط يستوفي ضعفي السعر السوقي للتر البنزين من المستهلكين ويتردد في ترخيص وتسهيل الفرص للمواطن الراغب في التحول إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة . بكثير من الدهشة والاستغراب استمع الناس إلى تصريحات الوزراء الذين عزوا نقص ايرادات الخزينة لأسباب تتعلق بتحول البعض نحو استخدام السيارات الكهربائية او التوقف عن التدخين. في كل مرة يبحث فيها الاقتصاد نستكشف ان الاسباب الرئيسة لتراجع النمو وهروب الاستثمار ترتبط بالسياسات الجبائية للحكومات وانعدام التفكير بمشروعات خلاقة محفزة.
استطلاعات الرأي المتكررة تشير بوضوح إلى ان الناس في الاردن لا يثقون بالحكومة ولا بالقرارات المتخذة من قبل طاقمها. عشرات الآلاف يبيعون ممتلكاتهم ويهاجرون إلى تركيا وكندا وقبرص. العقارات والمصانع للبيع والروح المعنوية للناس في انخفاض مطرد. اكثر من ثلثي الناس يعتقدون بوجود فساد وقرابة 45 % من المواطنين يرغبون في الهجرة. كل الحديث عن الاصلاحات السياسية والاقتصادية لم يحقق انجازات ملموسة على الارض فلا المجالس المنتخبة تعبر عن الارادة الحقيقية للناس ولا الضرائب المرتفعة تحسن الايرادات وتنجز الخدمات التي يتوق المواطن لوجودها.
في العام الماضي وفي غمرة الحماس الذي أبدته الحكومة والاجهزة المساندة لها نصح الخبراء والاقتصاديون ورجال الاعمال الحكومة بتجنب رفع الضرائب باعتباره اجراء مثبطا ووسيلة غير مجدية لتحقيق النمو مستعينين باقتباسات عديدة من فكر ابن خلدون ورونالد ريغان والمدارس الاقتصادية المختلفة. ورغم ذلك اصرت مؤسسات صناعة القرار على تمرير القانون باعتباره البلسم الذي سيعالج مالية الدولة ويخرج البلاد من عنق الزجاجة لتكتشف ان ذلك لم يتحقق . في حقيقة الامر كان اقرار القانون السبب الاهم في هروب آلاف المستثمرين وأصحاب الأعمال والأسر الأردنية إلى تركيا ومصر وقبرص وغيرها.
اليوم وبعد ان اكتشف الجميع قصور السياسات والخطط وبرزت الحاجة إلى سياسات وخطط بديلة ينتظر الأردنيون بفارغ الصبر ما الذي يمكن ان تقوم به الدولة لوقف التدهور وبعث الامل. أيا كانت السياسات والبرامج الجديدة فلا بد من ايلاء موضوع المياه الاولوية الاولى والتوسع في توليد الطاقة والابتعاد التدريجي عن حماية الشركات المتعثرة التي اصبحت قدرا يصعب الخلاص منه.
الغد- الجمعة 9-8-2019