العرب امام صدمة متشعبة (2من 3)
تحدثت في المقاله الأولى من هذه الثلاثية عن الثورة التونسية بإقتضاب مبينا بعض الدوافع التي فجرت ثورة الشعب التونسي التي شكلت بداية لحركة التغيير التي تلاحقت في كل من مصر وليبيا بعد تونس مباشرة مما يشير الى ان الشعوب العربية في عدد كبير من الأقطار العربية كانت حبلى الى حد الإنفجار مما يقترف بحقها من ظلم وقهر وحرمان من ابسط حقوق الإنسان التي تتغنى بها الأنظمة العربية ليل نهار ، في الوقت التي تمارس هذه الأنظمة عكس ما يتغنون به عبر اجهزتهم الإعلامية المرئية المسموعة ، والمسموعة ، والمقروءة وغيرها .
لقد ثبت وبالملموس واليقين الذي لايقبل الشك مطلقا ان الأجهزة الإعلامية في الوطن العربي لم يكن لها أي دور تمارسه في مجتمعاتها العربية سوى التطبيل والتزمير لرموز هذه الأنظمة المستبدة التي توهم شعوبها بتوفير الحريات التي لاح دود لها وممارسة الديمقراطية اللفظية والبعيدة كل البعد عن الممارسة الفعلية للديمقراطية الحقيقية التي ينشدها الشباب العربي في الوطن العربي ، والتي كان لابد من تجسيدها ، وكما تؤكد التجارب العربية والعالمية ان الحريات الديمقراطية تنتزع انتزاعا من الأنظمة الاستبدادية وتقدم منحة للشعوب الساعية الى تحقيقها وهذا ما حققته الجماهير التونسية التي عاشت عقودا من الأعوام مرتهنة للأحكام العرفية والاستبدادية بتقديمها التضحيات الجسام لنيل الحرية وممارسة الديمقراطية ، ولم يكن الشباب المصري أقل جرأة وتضحية من إخوانهم التوانسة في تناديهم لتفجير ثورة الجماهير المصرية عموما والشبابية خصوصا فانطلقت الثورة لتعم العاصمة المصرية القاهرة وجميع المحافظات والمدن والبلدات والقرى المصرية معلنة الثورة على نظام القهر والظلم والاستبداد الذي يتهجهما حسني مبارك وأفراد عائلته سيكتب الكثير عما جرى في تلك الشهور التي تلاحقت فيها رياح التغيير في كل من تونس ومصر وليبيا و..سنكتشف ان ثمة ما هو خلف الصورة والمشاهد المؤثرة أهم ما سيقال أن العرب رأوا نوعا من الحشود التي تختلف كليا عن كل ما سبق، وان أهم المفاجآت ظلت عصية على الفهم رغم الإشكال العلنية التي اتخذتها.
الإحداث المتلاحقة التي شهدناها خلال الشهرين الماضيين ستبقى سؤالا ملحا مهما كانت الإجابة عليه.ولابد من قراءة متأنية لها ، وأقول قراءة متأنية ومتفحصة لثورات الشعوب العربية التي تفجرت دون سابق إنذار وأطاحت بأشرس الطغاة والمتجبرين في تونس ،ومصر ، وستطيح قريبا بالسفاح الطاغية معمر القذافي وأفراد عائلته وزمرته من الأفاقين والمستبدين وناهبي مقدرات الشعب الليبي ، وإذلال وقمع الوطنيين الليبيين بأجهزتهم القمعية التي يعتمد عليها مغتصبوا الحريات وتهميش الديمقراطية وهم يدّعوون انهم يمارسون الديمقلراطية والحريات بأنواعها المختلفة . ان ما جرى ويجري في عدد من الدول العربية يؤكد أننا بأشد الحاجة الى أن يأخذ المفكرين والمحللين السياسيين والإجتماعيين وعلماء الدين وغيرهم دورهم الطليعي في ما يمكن ان يحدث قبل حدوثه وخاصة ان اهم المفكرين العرب لم يتوقعوا تدافع الأمور ونتائجها، ولم يكن بدا سوى انخراطهم في التفاصيل الميدانية..فلقد سبقهم المتظاهرون وسبقتهم الصور، واصبحوا تابعين للاحداث وليسوا فاعلين بها.
من هذا المنطلق اصبح مطلوبا منهم وبإلحاح عقب هذه ألأحداث ان يعيدوا النظر في الكثير من افكارهم التقليدية التي تعتمد على ما يطفو على السطح من ظواهر أو احداث ، وليكونوا على إطلاع تام على ألأحداث قبل أو أثناء وقوعها فيتمكنوا من تضمين كتاباتهم ونقاشاتهم لأهم وأحدث ما هو متوقع حدوثه وهذا يتطلب من مفكرينا وكتابنا العرب ان لايكتفون بمعرفة ما هو متوفر لهم بل عليهم البحث والتدقيق بكل ما يجري من سلبيات وإيجابيات على الساحة العربية بالكامل وبذلك يصبح لديهم القدرة على الدخول في كنهها ويضعون النقاط فوق الحروف بعيا عن التخمينات والفرضيات البعيده عن الواقع .