عن الحوار الامريكي الحوثي والقاعدة الايرانية في المتوسط
1
عن الحوار الامريكي الحوثي
لم يعد الموقف الامريكي حيال اليمن واضحا أكثر مما هو عليه الآن ، بعد أن صرحت هيئة الاركان الامريكية المشتركة قبل ايام بأن الولايات المتحدة قادرة على حماية مصالحها في المنطقة ، الا انها لا تستطيع حماية شركائها من صواريخ الحوثيين ، وهو التصريح " الصدمة " الذي تلقاه المغترون ، بينما لم يكن في حقيقته سوى " نكتة سمجة " سئمها المتخصصون وذوو الالباب .
ترامب الذي يجعجع بدون ان نرى له طحنا تغاضت ادارته عن الناقلة الايرانية ادريان داريا التي احتجزتها حكومة جبل طارق ، والتي افرغت حمولتها الخميس في ميناء يتبع نظام بشار الاسد في طرطوس ، رغم كل تحذيرات ترامب وتغريداته الباهتة.
تصريح الجيش الامريكي بشأن عجزه عن وقف الهجمات الصاروخية الحوثية جاء بالتزامن مع الكشف عن محادثات امريكية - حوثية ، جرت مؤخرا ولا زالت تجري بهدف معلن هو وقف الحرب في اليمن بينما هو في حقيقته ترجمة للاستراتيجية الامريكية في المنطقة المعادية للمصالح العربية العليا .
ولأن تبادل الادوار ديدن الادارة الحالية ، ولتخفيف ما قالته القيادة العسكرية الامريكية رأينا تصريحات لوزير الخارجية بومبيو يشدد فيها على مواصلة الضغط على ايران ، في لعبة مكشوفة لا ينكرها الآن الا الاعمى .
ولأن المثل العربي القديم يقول : ما اشبه الليلة بالبارحة ، فإن وزير الخارجية السابق جون كيري كان اكثر وضوحا في الانحياز الى ايران ضد العرب فرأيناه يقول بدون لف ولا دوران : بأن الحوثيين جزء لا يتجزأ من المشهد السياسي اليمني ، وليس هذا فقط ، بل قام بعقد اجتماعات بين مسؤولين بوزارته وبينهم ، وليته اكتفى بذلك ، ولكنه اطلق تصريحات تحدد مصير اليمن دون الرجوع الى اليمنيين او حكومتهم ..
ولكي اختصر الموقف فإني احيل القارئ الكريم الى مقال كنت نشرته في موقع جي بي سي نيوز قبل حوالي 3 سنوات ، وتحديدا بتاريخ 2016 - 11 - 20 وهو يلخص ما يجري الآن جنوب الجزيرة العربية ويكشف الاهداف الامريكية ، ولا ارى غضاضة في اعادة نشره هنا :
أمريكا وشرعنة الإنقلاب
كما دفعت الولايات المتحدة مئات ملايين الدولارات للإيرانيين من أجل الإفراج عن معتقلين أمريكيين ، أعادت الكرة هذه المرة عندما أطلقت من مسقط تصريحات أغضبت الحكومة اليمنية الشرعية ، بعد أن غازل كيري الحوثيين وذكرهم وحدهم قبل إعلانه اتفاقا لم يبرم أصلا مع الطرف الحكومي الشرعي .
الدفع هنا لم يكن دولارات كما فعل هو ورئيسه أوباما من قبل ، بل كان ثمنا " سياسيا " والهدف هو نفسه : إطلاق سراح أمريكيين محتجزين في صنعاء " تم إطلاق بعضهم فعلا " وتحقيق ما لم يقل في وسائل الإعلام .
خارطة طريق الأمم المتحدة ، وأهم ما فيها تشكيل الحكومة الوطنية بعد وقف إطلاق النار ، والذي أعلنه الجانب الأمريكي ، هدفه تكريس قوة الحوثيين كأمر واقع وخلق حزب الله يمني جنوب الجزيرة العربية بمباركة أمريكية .
وعلى ذكر حزب الله ، فإن كيري الذي قام بفعلته لم يعلق على كيفية وصول دبابات ومجنزرات أمريكية إلى حزب الله الذي أقام عرضا عسكريا كبيرا في منطقة القصير المحتلة بسلاح أمريكي جديد لا زال في الصناديق وتم تركيب قطعه في لبنان : هو لم يوضح كيف وصلت الدبابات الأمريكية والآليات العسكرية الجديدة إلى هذا الحزب لسبب بسيط : وهو أن الولايات المتحدة تعرف ما تريد في اليمن وفي سوريا وفي العراق ، وبالطبع في لبنان ، وتمضي حتى النهاية في محاولة فرض أمر واقع تحاول تحقيقه قبل أفول نهائي لنجم كيري ورئيسه من سماء الخارطة السياسية الدولية بعد أيام ، وهذا الأمر الواقع الذي هو في حقيقته هدف وحلم ، لن يحققه اعتذار " مساعد " نائب كيري للرئيس اليمني على تجاهله وإعلان المشروع بدون مشورته ، ولن يكتب له النجاح البتة حتى لو اعتذر أوباما شخصيا ، ذلك أن اليمينين ليسوا عبد ربه منصور هادي والمخلافي ، بل إنهم الشعب الذي يرفض الهيمنة الإيرانية ووكلاء الملالي عليه وعلى وطنه ، وهو شعب مثقف " لمن لا يعرف " و" حكيم " - الحكمة اليمانية - ومسلح ويحب بلده ولن يسلمه لإيران أبدا ، سواء أقبلت الحكومة اليمنية بمشروع كيري، أو هي ذهبت إلى أبعد من ذلك ووافقت على تشكيل حكومة وطنية بدون نزع سلاح الحوثي الذي اخترق الهدنة التي فرضها كيري من أول يوم .
مشروع في اليمن يعطي الحوثيين مجدا وحصة تصل إلى الثلث المعطل سيئ الذكر ، في حكومة ضعيفة ، وأسلحة في صناديقها لحزب الله اللبناني ، ودفع إتاوات لإيران ورشاوى من أجل الإفراج عن بحارة عسكريين تجرأت إيران على اعتقالهم من عرض البحر ، وتصريح مسقط ، كل ذلك وغيره بات هدفه واضحا لا لبس فيه وليس بحاجة لقليل ذكاء .
إن إيران تحاول تسويق نفسها كشرطي في المنطقة مرة أخرى لحساب الأمريكان والغرب ، فبدأت تفعل ما اتفق عليه وما لم يتفق عليه من تصرفات تخدم هذا الهدف المشترك ، ومن أجل ذلك رأيناها تتحرش بالسفن الأمريكية في الخليج وباب المندب بعد أن تأكدت بأن حكومة أوباما لن تفعل شيئا ، فمضت في تشبيحها ووصل الأمر لإطلاقها النار في محيط فرقاطات عسكرية أمريكية ، أوليس كل هذا وغيره شراكة إيرانية أمريكية في الأهداف تجعل واشنطن تغض الطرف عن صبينة الحليف " المجرب " في العراق وسوريا ، أوليس هذا هو الحليف الذي أفتى وكيله في العراق " السيستاني " بعدم جواز الجهاد ضد القوات الامريكية إبان الإحتلال ؟ . ألم تهدد واشنطن الإئتلاف السوري : إما القبول بالأسد أو سنترك حلب للروس يهدمونها على رؤوسكم " وهو ما يحصل الآن ؟ .. ولكي لا نذهب بعيدا : ألم يطلب أوباما من السعوديين علنا اقتسام النفوذ في المنطقة بينهم وبين الأيرانيين، وهو ما رفضته الرياض بقوة طالما أن المراد ثبيت التهديد الإيراني لدول الجوار وللأراضي السعودية بواسطة حفنة من العملاء الصغار هنا وهناك من أتباع الولي الفقيه .
ويخرج إليك من يفلسف الأمر ويحلل وجوهه المختلفة على هواه ،مع أن له وجها واحدا وبلا قناع : إنه فرض إيران على المنطقة ، إن لم يكن بالتفاهم فبالقوة .
إن خطة كيري وخارطة طريق ولد الشيخ ليست سوى استجابة لهدف أمريكي إيراني مشترك ، وهو بالإضافة لما قلناه : إنهاء الشرعية وشرعنة الإنقلاب .
2
قاعدة بحرية ايرانية على المتوسط
ما سقناه آنفا في الجزء الاول من هذا المقال ، لم يكن في حقيقته سوى مقدمة لهذا الجزء " الثاني " الذي يتحدث عن منح نظام الاسد ايران مرفأ بحريا " قاعدة بحرية " على المتوسط ، بعد 7 اتفاقيات اقتصادية تم ابرامها مع الايرانيين في وقت سابق ، ليكون هذا الميناء ، او القاعدة البحرية ختامها المسكي بالنسبة للملالي الذي تحقق هدفهم الآن بالتواجد في قاعدة على المتوسط بالتنسيق مع الروس .
القاعدة المذكورة لم يكشف عنها الاعلام المعارض ، بل صحيفة البعث الناطقة باسم الحزب الحاكم ( وكأنه بقي هناك حزب وحاكم ) حيث اوردت تفاصيل الاتفاقية التي وقعت مع الايرانيين ، ومن جملة ما قالته : إنه اقيم على شواطئ طرطوس بالقرب من الحدود اللبنانية وتحديدا في منطقة " عين الزرقا " القريبة من " الحميدية " المحاذية للحدود اللبنانية .
وموقع القاعدة الايرانية في المتوسط ضروري كما هو واضح لمواصلة نقل الاسلحة والعتاد لحزب الله والهيمنة أكثر على لبنان وسوريا والمنطقة ، ووفقا للبعث ، فإن اجتماعا عقد في الثامن من الشهر الماضي مع الايرانيين وتم بموجبه تحديد المكان الذي طلبه الايرانيون لتتحقق تصريحات رئيس الاركان الايراني التي اطلقها في العام 2016 وقال فيها :" ان ايران عازمة على انشاء قواعد بحرية لها في المتوسط وفي باب المندب .
ما فعله كيري ، وما يفعله بومبيو وما يقوله رئيس هيئة الاركان الامريكي دانفورد ليس سوى تنفيذ لاستراتيجية ثابتة وإن بدت متناقضة في بعض الاحيان ، وما تصريح الأمريكيين بأنهم لا يستطيعون حماية شركائهم وأيضا اجراؤهم مفاوضات مع الحوثيين لانهاء حرب اليمن كما يريدها الحوثي والاعلان عن انشاء القاعدة البحرية الايرانية في سوريا سوى دليل صارخ على ما قلناه ويقوله رجل الشارع العادي عن أن هناك مؤامرة كبيرة على الامة ومصالحها ومستقبلها ، ويكفي أن يلتفت أي منا يمنة ويسرة ليدرك حجم ما يدبر لها ، ولا يغرنكم كل هذه التناقضات التي هي ليست سوى صراعات على المصالح والنفوذ ، أما الموقف الحقيقي فملخصه أن الخلاف في بعض التفاصيل لا يفسد للود قضية !.
هكذا يجب أن نقرأ المسألة !.
جى بي سي نيوز - الاحد 8-9-2019