عمالة الأطفال
نسمع أحاديث كثيرة وتصريحات صحفية من كبار مسؤولي وزارة العمل عن عمالة الأطفال، وتعقد الوزارة ندوات يشارك فيها خبراء عالميون في عمالة الأطفال؛ لكننا نرى في العديد من الأمكنة أطفالا يعملون وفي وضح النهار ولم نسمع أن مسؤولي وزارة العمل زاروا هذه المحلات أو أوقفوا هؤلاء الأطفال عن العمل.
أما الأطفال الذين يعملون على الإشارات الضوئية حتى منتصف الليل ويبيعون العلكة ويتسولون، فلا أعتقد أن مسؤولي وزارة العمل لا يشاهدونهم أثناء تجوالهم أو حتى خارج أوقات العمل الرسمي، وقد يشترون من هؤلاء الأطفال العلكة أو بعض الأشياء الأخرى التي يبيعونها.
عمالة الأطفال تشكل مشكلة ليس في الأردن فحسب بل في معظم دول العالم الثالث، والأطفال الذين يتركون مدارسهم ليذهبوا للعمل لم يفعلوا ذلك إلا بسبب ظروف عائلاتهم السيئة؛ لأننا نجد أن بعض العائلات يزيد عدد أفرادها علة العشرة ولا يستطيع الأب إعالتهم فيخرجهم من المدارس ليعملوا و يساعدوه، أو أننا نجد أحيانا أن الأم والأب قد انفصلا عن بعضهما البعض ودفع ثمن هذا الانفصال الأطفال؛ لأن الأم قد تتزوج وكذلك الأب فيضطر أطفالهما للعمل لإعالة أنفسهم أو إعالة أشقائهم الصغار.
ليس المهم أن يتجول مفتشو وزارة العمل على بعض المناطق ليراقبوا الأطفال الذين يعملون، فهذا الأسلوب ليس هو الحل الأمثل في معالجة عمالة الأطفال؛ لأن هؤلاء الأطفال سيذهبون إلى مكان آخر ليعملوا هناك إذا ما أجبروا على ترك عملهم، وهنا أتساءل ويتساءل معي الكثيرون عن الأطفال الذين يطردون من عملهم ماذا سيفعلون؟ هل الحل هو في طردهم من العمل كما قلنا سابقا؟ علما بأن هذا الحل قد يجعل هؤلاء الأطفال يقعون في أيدي بعض العصابات أو قد يدمنون على المخدرات ويتعلمون التدخين.....الخ.
إذا كانت وزارة العمل جادة في محاربة عمالة الأطفال فعليها أن تجري دراسة وافية وتفصيلية عن الأسباب التي تجعل الأطفال يتركون مدارسهم ويذهبون للعمل، وبعد استكمال هذه الدراسة عليها أن تفتح دور رعاية لبعض هؤلاء الأطفال الذين يعيشون من دون رعاية، وأن تؤهلهم إما للعودة للدراسة أو بتعليمهم بعض المهن التي تساعدهم على العيش عيشة كريمة، والأهم من ذلك أن تحميهم من بعض العصابات التي تجبرهم على تصرفات قد تغير مجرى حياتهم إلى الأسوأ وتخلق منهم مشروعا إجراميا عندما يكبرون.
لا يختلف اثنان على أن وزارة العمل تبذل جهدا كبيرا في محاربة عمالة الأطفال؛ لكن هذا الجهد يذهب هدرا؛ لأنه لن يحل مشكلة عمالة الأطفال ولن يخفف منها؛ فهذه المشكلة كما قلنا في السابق تحتاج إلى دراسة علمية واجتماعية منظمة وعلى أعلى المستويات وإلى إمكانات مادية كبيرة حتى نصل إلى الحل المطلوب.
إن هناك العديد من المؤسسات العالمية التي تهتم بعمالة الأطفال، وهي مستعدة لتقديم الدعم المادي لوزارة العمل إذا ما اقتنعت بالأسلوب الذي تتبعه هذه الوزارة في محاربة هذه الظاهرة.
الدستور -