سلّم للنزول عن الشجرة: نظام حوافز
العام 2012 في ذروة الربيع العربي كان المعلمون يضربون مع كل القطاعات الأخرى لتحسين الرواتب في ظل مشروع اعادة الهيكلة الشاملة حيث كل قطاع مهني ووظيفي حكومي يصارع لتحسين وضعه في النظام الجديد وكنا في مجلس النواب نعمل طفاية حرائق نلاحق الاضرابات ونحاول صنع تسويات بين الحكومة وكل قطاع. وقد أمكن الوصول الى تسوية مع قطاع التربية والتعليم والاستجابة لمطالب النقابة ومنها العلاوات على أن تنفذ مناصفة على مدار عامين. ثم العام 2014 عاد المعلمون للإضراب مطالبين بما سمي “علاوة الطبشورة” أي للمعلمين الذين يمارسون التدريس فعلا وليس عموم موظفي التربية. وهو نفس المطلب الذي تقود نقابة المعلمين الاضراب من اجله اليوم وتقول ان الحكومة وعدت به ولا أدري إذا كانت الحكومة قد قدمت فعلا اي وعود لكن أقول شهادة حق أنه في اللقاءات داخل مجلس النواب مع الطرفين رفضت الحكومة باستمرار وبإصرار هذا الطلب.
في ذلك الوقت اقترحت حلا وكتبته في مقال هنا في “الغد” في 2014/8/24 وهو استبدال العلاوات بنظام حوافز متوسطها بقيمة العلاوة فيكون هذا المبلغ الاضافي بمثابة استثمار في تطوير التعليم وليس امتيازا يحرج الدولة امام بقية القطاعات. النقابة لم يعجبها الاقتراح والوزارة سكتت عنه فسقط في الفراغ وتم تسوية مطالب اخرى باستثناء هذا البند الذي يعود له المعلمون اليوم وأنا أعود لأقدم نفس الاقتراح الذي يصيد عدّة عصافير بحجر واحد.
نحن نشهد شدّ حبل خطير. النقابة صعدت الشجرة والمعلمون وراءها ولا يستطيعون النكوص المذلّ لهم والحكومة لا تستطيع الاستجابة للطلب وليس لأسباب مالية فقط فاستجابتها تحت ضغط الاضراب سيغري كل قطاع وليس هناك في القطاع العام من لا يريد زيادة في الرواتب. وقد تسيست المعركة كثيرا وانقسم الرأي العام حولها ولا بد من سلّم ينزل الجميع عن الشجرة وأنا لا أطرح تسوية مراوغة لإنقاذ المظاهر بل طرحا إصلاحيا كان يتوجب الأخذ به في كل الأحوال وفي سياق الاصلاح التربوي المنشود وبأدوات عملية قوية وقد كتبت في حينه أنه عندما تأتي نتائج الامتحانات تقول من المدرسة الفلانية لم ينجح احد فيجب وضع الجميع امام مسؤولياتهم وفي المقدمة المعلمون والحكومة ايضا يجب ان تموّل الاصلاح الحازم ونظام المكافأة على العمل والانجاز هو الحل وليس المناشدات الأخلاقية.
كتب أحد المعلقين ساخرا من حديث رئيس الوزراء عن ربط العلاوات بالأداء متسائلا هل نطبق الأمر على الوزراء ايضا؟! وهذه اكبر ثغرة في موقف الحكومة فالناس ترى الامتيازات والمكافآت العالية لكبار المسؤولين وتقارن وتمتلئ نقمة ولو طبقت الحكومة تخفيضات كبيرة على رواتب ومكافآت وامتيازات كبار المسؤولين وعملية تقشفية صارمة لكان موقفها أقوى ومع استمرار غلاء المعيشة وضيق الفرص فإن كل قطاع سيحاول الفوز لنفسه بأقصى ما يستطيع ولن ينتهي الأمر عند المعلمين، وما شهدناه مع مختلف القطاعات اثناء الربيع العربي مرشح للتكرار ولكن هذا حديث آخر ولنبق مع إضراب المعلمين.
المنتظر اليوم ان تفكر الحكومة بطريقة خلاّقة وشاملة.. السلّم الممكن أن تقدمه للنزول عن الشجرة هو ربط مطلب العلاوات بشروط الإنفاق على تطوير التعليم. وأعرف أن المعلمين لا يحبون نظام حوافز وسيكرهون طرحنا لكنهم لن يستطيعوا التمترس عند مطلب العلاوة المقطوعة والنهائية والوقوف أمام الرأي العام وأهالي الطلبة عندما يطرح عليهم تحليل الزيادة (التي تميزهم عن بقية الموظفين) بالإنجاز لخصوصية الدور الذي يجب ان يضطلعوا به في إنقاذ التعليم وهو امر يمكن قياسه بدقة في تقييم الطلبة في نهاية كل عام وفي كل مدرسة وصف ومادة.
الغد - الخميس 11-9-2019