المعلمون والمجتمع: المواجهة فوق الشجرة
بدايةً، المعلم له الحق بالاحتجاج والدفاع عن حياته والمطالبة بتحسين معيشته، والمعلمون في حراكهم كشفوا عن حالة من التضامن الشعبي معهم في بداية اضرابهم، والمعملون وجهوا المشهد ونجحوا ككتلة متماسكة أكثر من غيرهم من الحراكات الشعبية ذات الطابع المهني والعمالي.
ولكن كلما طال الاضرب بدأوا بخسارة شيء من الـتأييد، وهذا ليس ذنبهم، لكنه يجب أن يدعوهم إلى التكيف واعادة الحسابات، وهناك موقف حكومي مصدره الموضوع المالي العام للدولة الصعب، وهنا يقف المعلمون امام حقائق الانفاق والاخطاء في التقديرات الحكومية والفشل في إدارة الملف الاقتصادي ويقولون: نحن لا ذنب لنا بالوضع الراهن، وهم محقون في ذلك.
وهم في هذا الجانب مصرون على أن ربط الأداء في العلاوة يجب أن يكون لكل موظفي المؤسسات في الدولة وليس وحدهم، وهناك مؤسسات وموظفون فيها يتلقون حوافز لا ترتبط بالاداء ولا غيره، بل باتت حقوقا تنهب مالية المؤسسات مثل الجامعات والشركات الكبرى.
الموقف الثاني، هو تناهب النخب السياسية للنقابة أملاً في تحقيق دور، بالتقريب بين طرفي الموقف، وهنا تخطئ النقابة إذ تتحول إلى وجبة حوارية متنقلة تمارس بها تمرينات خطابية، ويجب البقاء في الحوار مع الحكومة ولجنة التربية النيابية ممثلة برئيسها الخلوق د. ابراهيم البدور والتجاوب معهما وحدهما دون غيرهما.
تجاوب النقابة يجب أن يكون مرحليا ومدروسا، وهي أي النقابة الآن في ظرف غير مريح، لا لأنها مخطئة او لم تُقدّر مصالح منتسبيها، بل لان المجتمع بدأ بالتململ من النتيجة التي أضحى أبناؤه يواجهونها، وهنا تقول النقابة أن الحق على الحكومة، لكن المجتمع لا ينظر للحكومة بالمسؤولية في ذلك. والحكومة ايضا للانصاف قدمت عرضاً في مسألة الرتب وضاعفت الحوافز من 6 % إلى 15 % وهذا في حوارية نائب النقيب مع وزير التربية في بيت النائب ابراهيم البدور.
بعد هذا الموقف، أضحى الطلبة في الشارع والمعلمون فوق شجرة الإضراب، والمجتمع يمسك بحجار يرمي بها حظه العاثر، وهنا تقف النقابة أحياناً ضد أي محاولة من أي مدير مدرسة لدعوة أبناء مدرسته للدراسة وثمة حوادث موثقة بتعرض إحدى المديرات لسحب منشورها الذي دعت به طلاب مدرستها للعودة للدراسة. كما أن بعض المعلمين للأسف يتصرفون بدعائية ضد الإعلام حين يذهب للتصوير من أمام المدارس فيخرج المعلمون غاضبون ويصل الأمر للتهديد والسباب وثمة حوادث في هذا الجانب باتت موثقة، وهنا خطأ كبير مهني واخلاقي وما حدث مع النائب المحترم صالح العرموطي في بيت النقابة كلام لا يقبله عاقل ولا يصدر من عضو مجلس نقابة ويأتي بالخسارة على النقابة.
لهذا كله، يجب على النقابة أن تتحلى بالعقلانية، وتنهي محاولة صعود البعض على اكتافها لخطف المشهد استعراضيا، ففي كل حراكات المعلمين التاريخية، كانت العقلانية موجودة والقيادة أكثر مرونة وأكثر وعياً وتقديراً لمصلحة الوطن.
لكن حين يصل الضرر المجتمع، فإنها بحاجة لعقال وحكماء يقدرون أهيمة موقف الناس، وللآن لا يبدو أن ذلك موجود بشكل واضح في خطاب النقابة، الذي يجب أن يظل راقياً فصيحاً ويترك مفردات الشارع مثل «ولا ابن مرة بجبرنا على العودة».
نؤكد أن النقابة مؤسسة الجميع، وأنها حالة اصلاحية وأن المعلم يستحق الأفضل ولا دخل له ببؤس الحكومات في معالجة ظروف البلاد الاقتصادية أو الفساد والهدر، لكن المسألة اليوم ليست حكومة عمر الزراز أو غيرها، بل هي مصالح الناس في تعليم ابنائهم وفي دور المعلم الحضاري.
النقابة يجب أن تدرك قيمة تحالفها مع المجتمع، وأن تقدم على خطوة تنظيم وترتب امورها مع المجتمع. اخيراً النقابة لا احد يفرض عليها خيارتها، وفيها من الحكماء ممن يقدرون الحال، ويمكن في كل اضرابات العالم تعليقه والتوقف عنه والحفاظ على مظاهره في أيام الجمع والسبت، لحين تحقيق بعض المكاسب وهذا هو الأفضل.
الدستور -