مُباحثات الصندوق
بِعثةُ صندوق النقد الدوليّ التي تزور المملكة حالياً ليست لإجراء المُراجعة الدوريّة كما يعتقد البعض أو أشيع عن ذلك، فالمُراجعة الدوريّة ستكون في واشنطن الشهر المُقبل على هامش الاجتماعات السنويّة للصندوق والبنك الدوليين.
هُنا في عمّان تلتقي البعثة الدوليّة بِمُختلف المسؤولين في الدولة والقطاع الخاص، والجديد في الموضوع هو أن البعثة تتكون من فريقٍ جديد على الأردن، فقد تم اِستبدال رئيس البعثة السابق مارتن سيريسولا بآخر جديد وهو كريستوفر جارفيس الذي أمضى خدمة طويلة في المنطقة من خلال ترؤسه لبعثات الصندوق في كُلّ من مصر ولبنان.
التغيير في منصب رئيس بعثة الصندوق للأردن أمر في غاية الأهمية، فالرئيس السابق مارتن كان على خلاف دائم مع الطاقم الحكوميّ المُفاوض، وكانت علاقته سلبيّة في كثير من جوانبها في عمليات التفاوض، والتغيير في هذا المنصب بهذا الشكل وفي هذا الوقت تحديداً أعطى انطباعات إيجابيّة للمسؤولين الحكوميين باعتباره قد يؤدي إلى تغيير النمط المُتشدد الذي كانت تتبعه الإدارة السابقة أثناء مفاوضاتها مع الحُكومة.
بِعثةُ صندوق النقد الجديدة ستتطلع إلى ما آلت اليه نتائج الاتفاق الاقتصاديّ المُبرم مع الأردن والذي يدخل الآن في المرحلة قبل الأخيرة من تنفيذه والتي تنتهي فعليّاً في أذار من العام المُقبل، ليكون بذلك الأردن قد أمضى أكثر من ثلاثِ سنوات على السير بهذا البرنامج الذي أثارت مُتطلباته وبنوده الكثير من الجدل في الشّارع الأردنيّ، ناهيك عن تداعيات اقتصاديّة سلبيّة ظهرت في بعض المؤشرات الاقتصاديّة عكس ما كان مُستهدفا في الاتفاق.
البعثة اليوم ترغب بالاطلاع عن كثب على حقيقة التطورات والمستجدات الاقتصاديّة الوطنيّة، والتحدّيات التي تعترض عمليات الإصلاح الاقتصاديّ والاستماع مباشرة من المسؤولين للإشكاليات التي طرأت على الاقتصاد الوطنيّ وجعلت الكثير من الأهداف تخالف الواقع، مما يتطلب تقييما جديّاً لِما حدث في هذا الاتفاق.
لكن الجديد في الزيارة الحالية لبعثة الصندوق هو رغبة المسؤولين الأردنيين في تأسيس شكل جديد من المفوضات مع البعثة والتي تتسم هذه المرّة بالواقعيّة، فسيكون هناك جلسة عصف ذهنيّ مُغلقة بين مسؤولين في الحكومة والبعثة الجديدة بحضور سفراء الاتحاد الأوروبيّ والأمريكيّ واليابان والدول الخليجيّة، للوصول إلى تفاهمات حول تطورات المشهد الاقتصاديّ وتحدياته.
في اعتقادي الشخصي أيّة عملية تفاوضيّة جديدة مع الصندوق يجب أن تتجه نحو الوصول إلى تفاهمات مُسبقة حول عدد من الأمور التي ممكن أن تكون لبنة أساسيّة في المفاوضات المُقبلة، والأمور هي ما يلي:
1 - البرامج السابقة لم تكن برامج تنمويّة وافتقرت القدرة على رفع مُعدّلات النُمُوّ في السنوات الست الماضية والتي بقيت مُعدّلات النُمُوّ قريبة من 2 بالمئة، وهي مُعدّلات تؤكد أن الاقتصاد يعيش في حالة تباطؤ شديد رغم كُلّ الإجراءات التي اتخذت لِتحفيزه.
2 - البرنامج الأخير بين الأردن والصندوق ماليّ بحت يُركّز على تعزيز الإجراءات الماليّة باتجاه الخزينة لسداد عجز الموازنة وتوفير سيولة ماليّة للحكومة لِتمويل نفقاتها المتزايدة وتلبية قدرتها على سداد أقساط وفوائد المديونيّة التي تجاوزت نسبتها الـ95 بالمئة.
3 - الإجراءات الماليّة التي نفذت في العامين الأخيرين خاصة فيما يتعلق بالضَريبة، أثبتت النتائج الواقعيّة مُخالفةً للنتائج الرقميّة للفرضيات التي تم رصدها في المراحل الأولى للاتفاق، وهذا ما تسبب في تراجع بعض الإيرادات المحليّة.
اليوم، مطلوب من الحُكومة السير بِخطوات ثابتة وواضحة في مفاوضاتها مع الصندوق من خلال توسيع القاعدة التفاوضيّة معه، وإعداد دراسة واقعيّة تقييميّة لتطورات الوضع الاقتصاديّ، والتأكيد انه لا مجال لأيّة رسوم أو ضرائب جديدة في المباحثات المُقبلة مع الصندوق، وأن الهدف في النهاية خلق إطار تحفيزيّ للقطاعات الاقتصاديّة المُختلفة وتخفيف الأعباء الماليّة عليها خاصة في مجال ملف الطاقة.
الدستور -