إنهم يتنصتون على الرئيس
عجيبة هي أمريكا وعجيب هو نظامها الحاكم.
أمريكا تتنازل عن كل شيء، لكنها لا تتنازل عن مبادئ الحكم التي رسختها ديمقراطية امتدت قرابة الثلاثمائة عام.
خلال الثلاثمائة عام لم يستطع شخص أن يستولي على الحكم هناك ويورثه لأبنائه وحاشيته من بعده.
هناك حزبان رئيسيان يتنافسان على الحكم، لكن مبدأ حرية الاختيار من قبل الناخبين لم يخدش. قد يحصل أن رجال أعمال وأصحاب رؤوس أموال ومصالح استطاعوا فرض أجنداتهم على الحزبين الرئيسيين، لكن النظام الأمريكي استطاع استيعابها ومأسستها عبر ما يعرف باسم اللوبيات.
قوة النظام الأمريكي تكمن في قوة الكونغرس، وصلاحياته الكبيرة في مراقبة عمل الرئيس.
قوة النظام الأمريكي تكمن في الإجماع الشعبي على رفض الاستبداد، ولذلك فإنهم يضعون ما يكفي من السياسات والقيود والإجراءات لمنع أي رئيس من التهور وبناء منظومة استبدادية تحكم باسمه، وتصنع منه إلهاً لا يمكن لأمريكا أن تعيش من دونه.
قوة النظام الأمريكي تكمن في الشعب ونخبه وإعلامه الذي رفض ويرفض التنازل عن حريته وحقوقه الدستورية.
قوة النظام الأمريكي في الإجماع الشعبي على التفريق بين الرئيس وأمريكا؛ فالرئيس شيء وأمريكا شيء آخر، ومعارضة الرئيس لا تعني معارضة أمريكا، والدفاع عن الرئيس لا يعني الدفاع عن أمريكا.
باختصار هناك من يتنصت على مكالمات الرئيس، وهذا الشيء هو من صلب عمله الرسمي الشرعي، وإذا سمع شيئا يمكن أن يهدد أمريكا، أو شيئا يمكن أن يكون تجاوزا لصلاحية الرئيس، فعليه أن يقدم شكوى لدائرة الاستخبارات، وإذا ما رأت الدائرة أن القضية خطيرة فإنها ترفعها للكونغرس.
أجل إنهم يتنصتون على الرئيس، وهو يعرف ذلك كما قال ترامب نفسه، وللشعب الأمريكي الحق الكامل في معرفة كيف تدار الأمور في أمريكا.
نعلم أن أمريكا قوة ظالمة وغاشمة تدهس حقوق الآخرين وتنهب خيراتهم، لكن نظام الحكم فيها جدير بأن نتعلم منه.
السبيل - الأربعاء 25/سبتمبر/2019